الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل فيما إذا كان في يد العامل قراضان وفي كل واحد ما يحمل النفقة على الانفراد

                                                                                                                                                                                        وإذا كان في يد العامل قراضان، وفي كل واحد ما يحمل النفقة على الانفراد، كانت النفقة على المالين، وسواء كان أخذهما معا أو مفترقين.

                                                                                                                                                                                        قال مالك: وكذلك لو أخذ الثاني ليلة سفره وبعد أن اشترى بالأول، وهذا هو أحد قوليه فيمن خرج لحاجته أن النفقة تفض، وعلى قوله ألا شيء على الثاني إذا خرج إلى أهله أو لحج أو لغزو، ولا يكون على القراض الثاني شيء; لأنه كان يتكلف تلك النفقة والكراء قبل أخذ الثاني، ولا سبب للمال الثاني في ذلك، ولا فرق بين أن يكون عازما على السفر لأهله أو لحج أو لقراض.

                                                                                                                                                                                        وقال: إذا كان المالان لا يحملان النفقة على الانفراد ويحملانها على الجمع أن له النفقة على المالين. والقياس ألا شيء له; لأن كل واحد يقول: مالي قليل، وقد دفعت إليك ما حكمه أن يكون له فيه الجزء بانفراده; فليس أمرك أن تأخذ مالا آخر من غيري يوجب علي غير ما دخلت معك عليه، [ ص: 5251 ] ولو علمت ذلك ما أعطيت لك أو أوافقك على جزء دون الآخر.

                                                                                                                                                                                        وكذلك إذا كان أحدهما كثيرا والآخر قليلا- لم أر على القليل من ذلك شيئا، وسواء أخذهما معا أو مفترقين، وإذا كانا كثيرين وأخذهما معا، كانت النفقة على قدر المالين، هذا قوله في "المدونة".

                                                                                                                                                                                        ويجري فيها قول آخر أنها تكون بالسواء، قياسا على نفقة الأولاد على أحد الوالدين، فقد اختلف في ذلك هل تكون سواء أو على قدر اليسر؟ وأرى أن يكون ما يتكلفه العامل في الطريق من كراء الركوب ونفقته وكسوته بالسواء; لأن ذلك له يتكلفه لكل مال بانفراده، ولا مزيد عليه لزيادة المال، وكذلك نفقته بعد وصوله في حين اشتغاله بالمالين، فإذا انقضى شغله بأقلهما وكان مقامه لأجل الأجر كان ذلك الزائد عليه وحده، إلا أن يكون سفره ورجوعه في رفقة، ولا يقدر على الرجوع عند انقضاء أقلهما، ولا يزاد على الآخر شيء; لأن تأخره لم يكن لأجل المال.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في "كتاب محمد" فيمن كانت بيده بضاعة: له أن ينفق منها إذا كانت كثيرة كالقراض، قيل له: أينفق منها إذا كانت خمسين دينارا؟ قال: من حد خمسين إلى أربعين. وروي عنه أنه ينفق منها إذا كانت خمسين [ ص: 5252 ] دينارا. قال محمد: والبضاعة كالقراض في الكسوة.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ -رضي الله عنه-: العادة اليوم أنه لا ينفق ولا يكتسي من البضاعة، وأنه فيها على أحد أمرين: إما أن يكون يعمل بها على وجه المكارمة، فلا نفقة له، أو على إجارة معلومة، فلا يكون له غيرها.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية