فصل [هل يحكم القاضي بعلمه؟]
ولا يقضي القاضي بما كان عنده من العلم، قبل أن يلي القضاء أو بعد أن ولي ولم يكن في مجلس القضاء، أو كان في مجلس القضاء، وقبل أن يتحاكما إليه ويجلسا للحكومة، مثل أن يسمعهما أو أحدهما يقر للآخر، فلما تقدما للحكومة أنكر وهو في ذلك شاهد.
وقد اختلف إذا أقر بعد أن جلسا للخصومة ثم أنكر، فقال مالك لا يحكم بعلمه. وقال وابن القاسم: عبد الملك يحكم. ورأيا أنهما إذا جلسا للمحاكمة فقد رضيا أن يحكم بينهما بما يقولانه ولذلك قصداه. وسحنون:
فإن لم ينكر حتى حكم ثم أنكر بعد الحكم، وقال: ما كنت أقررت بشيء، لم ينظر إلى إنكاره، وهذا هو المشهور من المذهب.
وقال إذا ذكر الحاكم أنه حكم في أمر من الأمور، وأنكر المحكوم عليه لم يقبل قول الحاكم إلا ببينة، وهو أشبه في قضاة اليوم لضعف عدالتهم. وإذا لم يكن له أن يحكم بعلمه كان في قبول [ ص: 5346 ] شهادته عند غيره على وجهين: فأما ما كان عنده من العلم قبل أن يجلسا للحكومة، جاز أن يرفع شهادته فيه. واختلف في قبول شهادته فيما أقر به عنده في حين المحاكمة، فقال الشيخ أبو القاسم بن الجلاب: محمد: تقبل شهادته فيه، وقال أيضا: لا تقبل لما لم يمض حكمه فيه.
وأرى أن تقبل إذا لم يكن حكم، كما قيل في أنه يعيدها وتقبل منه. فإن حكم بعلمه ثم رد حكمه، حسن ألا تقبل، وإذا صح قبولها رفعها إلى من فوقه. واختلف هل يرفعها لمن تحته، وقد تقدم ذلك. العبد يشهد بشهادة فلم ترد حتى عتق،
وأرى أن تقبل إذا كان طارئا، وكان القاضي عدلا مبرزا في العدالة، ممن لا يمكن التجريح في مثله، وإن كان القاضي غير عدل لم يقبل قوله، وسواء رفعها لمن دونه أو فوقه; لأن تجريحه يتعذر، ولا يقدم أحد على تجريح القاضي وإسقاط عدالته، وكذلك إذا كان الشاهد ممن يتقى، ولا يستطاع سماع الشافع فيه، فلا تقبل شهادته إذا لم يكن مبرزا. [ ص: 5347 ]