الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        وقال مالك فيمن غصب خشبة وأدخلها في بنيانه: لصاحبها أن يأخذها ويهدم ذلك البناء .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في كتاب محمد: ذلك له وإن بنى عليها القصور، [ ص: 5816 ] واستحسن أشهب إذا كان مثل هذا البناء ألا يكون له إلا قيمتها يوم غصبت ، ويلزم على ما قال ابن القاسم في المصراعين أنه لا يأخذها لئلا يذهب عمله باطلا ألا يكون له أن يأخذ الخشبة إذا عظم البناء، وإن رضي صاحبها بأخذ القيمة لم يكن للغاصب أن يهدم بنيانه ليعطيها إياه؛ لأنه من باب الفساد وإضاعة المال.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم فيمن غصب ثوبا فصبغه: صاحبه بالخيار، فإن أحب أخذه ودفع قيمة الصبغ، وإن أحب ضمنه قيمته يوم غصبه .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ: وأرى أن يكون صاحبه بالخيار بين أن يضمنه قيمته يوم غصبه أو يوم صبغه إن كانت قيمته ذلك اليوم أكثر، وهو أحد قولي ابن القاسم .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا أحب أن يأخذه، فقال ابن القاسم: للغاصب قيمة الثوب يوم يأخذه، وقال: ما زاد الصبغ فإن لم يزد فلا شيء له . وهذا قياس على قوله في العيب يجده المشتري في الثوب بعد أن صبغه، فإن نقصه الصبغ غرم ما نقص. [ ص: 5817 ]

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب في كتاب القطع من كتاب محمد: لا شيء عليه في الصبغ وجعله كالتزويق .

                                                                                                                                                                                        وقال محمد بن مسلمة: إن نقصه الصبغ غرم النقص، فإن زاد لم يكن له فيه شيء إلا أن يكون إن غسل خرج منه شيء له قيمة، فيكون صاحبه بالخيار إن شاء أعطاه الثوب فغسله وإن شاء أعطاه قيمة ما يخرج منه، قال: لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس لعرق ظالم حق" .

                                                                                                                                                                                        قال مالك: والعرق الظالم كل ما احتفر أو غرس . يريد: أن لا حق للغاصب في بقاء ما فعله في المغصوب وأنه ينقض فيطرح، وكذلك الصبغ إن كان له في زواله منفعة أعطاه وإلا فلا شيء عليه.

                                                                                                                                                                                        وعلى قول عبد الملك يكون له أن يأخذه بغير شيء إذا كانت النفقة في الصبغ يسيرة، وإن كان لها قدر أعطاه قيمة ذلك أو ضمنه أو كانا شريكين.

                                                                                                                                                                                        وقول أشهب وابن مسلمة أصوب؛ لأنهما اتفقا في الجص والتزويق وهو شيء قائم العين كالصبغ ألا شيء له فيه، وإن عظمت زيادته في ثمن الدار؛ لأنه إن نقض لم ينتفع به فكذلك الصبغ، وإن باعه الغاصب فصبغه المشتري كان صاحبه بالخيار بين أن يكون مقاله مع الغاصب فيغرمه قيمته يوم الغصب أو يوم البيع أو يجيز البيع ويأخذ الثمن، وإن أحب كان مقاله مع المشتري فله [ ص: 5818 ] أن يأخذه إن أحب ويدفع قيمة الصبغ، وإن أبى كانا شريكين وعلى القول الآخر ما زاد الصبغ، وهو أحسن وبه يشارك، وإن لم يزد لم يكن له شيء.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا نقصه الصبغ هل له أن يضمنه قيمة الثوب إذا نقله عن الغرض الذي يراد له؟

                                                                                                                                                                                        وقد اختلف في مشتري العبد يقتله خطأ؛ لأنه في الصبغ والقتل لم يصون ماله بخلاف اللباس والأكل، والتضمين في كلا الوجهين أحسن.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية