الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [فيمن استودع قمحا وشعيرا فخلطهما]

                                                                                                                                                                                        وإن كان عند رجل وديعتان: قمح وشعير، فخلطهما- ضمن لكل واحد منهما ما خلط له، فإن اختارا رفع العد أو أن يأخذاه مخلوطا ويكونان شريكين فيه- جاز ذلك عند ابن القاسم وأشهب ومنعه سحنون . [ ص: 5987 ]

                                                                                                                                                                                        واختلف بعد القول بجواز ذلك في صفة الشركة، فقال ابن القاسم: على القيمة. يريد: قيمة القمح معيبا والشعير غير معيب، ولم يجز أن يقتسماه على ذلك. وروى عنه أبو زيد أنه قال: وإنما يقتسمان الثمن .

                                                                                                                                                                                        قال في المدونة: ولو قال لصاحبه: أنا أغرم لك مثل حنطتك أو شعيرك وأخذه كله لم يجز .

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب في مدونته: يكونان شريكين على السواء لا على القيم، إذا يكون القمح بالشعير متفاضلا، ألا ترى لو أن رجلين قالا: اخلط شعيري بقمحك لتكون شركة على القيم لم يجز، وإن قال أحدهما لصاحبه: أنا أغرم لك مثل قمحك أو شعيرك وآخذ هذا كله، جاز ذلك على وجه التراضي، وليس ذلك كله له في وجه القضاء، وهذا نص قوله: ولو ضمن أحدهما التعدي، وقال أحدهما : أنا أبقى على الشركة، جاز ذلك على قول أشهب إذا كان الذي ضمن هو صاحب الشعير ; لأن صاحب القمح يكون شريكا بقفيز قمح معيب، سواء كان الذي ضمن صاحب القمح- لم يكن لصاحب الشعير أن يشارك بالنصف; لأنه يأخذ أفضل من حقه إلا أن يرضى بذلك التعدي. [ ص: 5988 ]

                                                                                                                                                                                        وعلى قول ابن القاسم: يجوز أيهما ضمن; لأن الشركة على القيم وعليه يقتسمان الثمن، فجعله ابن القاسم إذا رفعا العد بمنزلة ما لو اختلطا بأمر من الله تعالى، وكأنهما لم يختارا تضمينه قط ويصير بمنزلة ما لو خلطهما ريح أو دابة مشت عليه، فخلطته فالشركة على القيم يباع ويقتسمان الثمن على القيم القمح معيب والشعير غير معيب، ولا تجوز قسمته على القيم; لأنه ربا فلو كان لكل واحد منهما قفيز وقيمة القمح معيبا ديناران وقيمة الشعير دينار غير معيب، فلو اقتسماه على القيم أخذ صاحب القمح قفيزا وثلثا والآخر ثلثي قفيز، وإذا كان كذلك كان نصف ما في يد صاحب القمح شعيرا، وهو ثلثا قفيز أخذه عن ثلث قفيز قمح، وذلك ربا، وإنما يجوز أن يبقى بينهما على أن لهذا فيه قمحه ولهذا شعيره، ثم يباع فيأخذ كل واحد منهما ثمن شيئه.

                                                                                                                                                                                        ولو سقط ثوب في صبغ صباغ وقيمة الثوب ديناران والصبغ دينار كان بالخيار بين أن يكون بينهما شركة على ذلك الثلث والثلثين، أو يبقى على أن يكون كل واحد منهما باق على ملكه ، فإذا باعاه قسما الثمن على قدر قيمته يوم البيع، وإن نقص الصبغ يوم بيع أو نزل سوق الثوب كانا شريكين على قدر قيمتهما يوم البيع.

                                                                                                                                                                                        وذهب أشهب في الطعامين أنهما لما ملكا التضمين إنما يأخذان ذلك عن الواجب في ذمة المتعدي، فلا يجوز إلا على التساوي بمنزلة ما لو كان لهما ذلك في ذمته من غير تعد فأخذاه عن الواجب في الذمة، فلا يجوز إلا على التساوي، [ ص: 5989 ] وإن أرادا قسمته جاز; لأن بيع نصف قفيز قمح بنصف قفيز شعير جائز، ولم يجبر أحدهما على أن يسلم جميعه ويأخذ مثل نصيبه فيكون قد بيع عليه ملكه بمثله جبرا.

                                                                                                                                                                                        وأما سحنون فله في منع رفع العداء ثلاثة أوجه، أحدها: أن يكون ذلك صار كالفائت وأن ما لهما سالم في الذمة فليس لهما أن يجبراه على أخذ هذا كما قال ابن القاسم في كتاب محمد فيمن صبغ ثوبا متعديا أن ليس لصاحبه أن يأخذه، وليس له إلا القيمة أو يكونا رفعا الضمان للشركة ليتجرا بثمنه في المستقبل، فمنع ذلك، وإن كانت الشركة في هذا على المساواة; لأنه يؤدي إلى التفاضل ويكونان بمنزلة من أخرج قفيز قمح وقفيز شعير ليتجر بثمنهما في المستقبل فيفسد، وإن دخلا على المساواة لموضع التمادي أو يكونان رفعا العداء ليقتسماه على القيمة.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية