باب فيمن قطع نسب رجل
وقال مالك حد، وإن كان أبواه عبدين أو كافرين أو غير ذلك ممن لا حد على قاذفهما ، وقاسه على الحد في القذف; لأن كليهما لدفع المعرة، ورأى أن المعرة التي تلحق في كون الرجل لا أب له مثل ما يلحق من حد في زنى. فيمن قطع نسب رجل حر مسلم، فقال له: لست لأبيك:
ويعتبر قطع النسب في الابن دون الأبوين، فإن كان الابن حرا مسلما حد من قطع نسبه، وإن كان الأبوان -ممن تقدم ذكره- عبدين أو كافرين، وإن كان الابن عبدا أو نصرانيا لم يحد له وإن كان أبواه حرين مسلمين.
والحق في ذلك للأم، ثم لا تخلو المسألة من ثمانية أقسام:
إما أن يكون جميعهم -الابن والأبوان- عبيدا، أو أحرارا، أو أحدهم حرا -الابن، أو الأم، أو الأب- أو اثنان منهم حرين مسلمين -الابن والأم، أو الابن والأب، أو الأبوين-
فإن كان جميعهم عبيدا، لم يحد قاطع نسبه.
وإن كان جميعهم أحرارا، حد للولد، لقطع نسبه، وللأم; لأنه قذفها، وإن عفا أحدهما- قام الآخر بحقه، ويجزئ في ذلك حد واحد على قول مالك، وهو بمنزلة من قذف رجلا وقطع نسب آخر، فإنه يحد لهما حدا واحدا.
وإن كان الابن وحده حرا، حد القائل، لقطع النسب خاصة، فإن عفا لم [ ص: 6262 ] يكن لأحد أبويه قيام، ونكل لهما، وإن مات قبل أن يقوم، أو قيل ذلك له بعد موته- كان الحق لابنه، يقوم بحده.
فإن كانت الأم وحدها حرة، كان الحق لها خاصة لقذفها.
وإن كان الأب وحده حرا، لم يكن له ولا لولده ولا لزوجته في ذلك قيام; لأنه قطع نسب عبد، وقذف أمة.
فإن كان الابن والأم حرين- حد لهما جميعا.
وإن كان الابن والأب حرين حد، لقطع النسب خاصة.
وإن كان الأبوان حرين، حد لقذف الأم خاصة، فإن عفت لم يكن للأب في ذلك مقال، وهذا هو الصحيح من المذهب.
وقد اختلف في الوجه الذي يقصده القاطع للنسب، ما هو؟ فقيل: ذلك لأن الأم زنت به وألحقته بهذا الأب. وقيل: لأن الأب زنى مع غير هذه التي تقول أنها ولدته. وقيل: إن ذلك من غير زنى من هذين. ويحتمل أن تكون أتت به وزعمت أنها ولدته ولم تلده، فقال في المدونة فيمن قال لعبد: لست لأبيك، وأمه أمة أو نصرانية والأب حر مسلم- يحد للأب; لأنه حمل الأب على غير أمه وصار قاذفا للأب . مالك
وقال في كتاب أشهب محمد: لا حد عليه، كأنه قال: وإنما: ركب أمك [ ص: 6263 ] هذه غير أبيك .
وجعل السبب في انقطاع النسب من قبل الأم، فذكر عن سحنون أنه قال: لا حد على من قطع نسب عبد وإن كان أبواه حرين; لأنه يصح عنده أن يكون ذلك لأنها أتت به وزعمت أنها ولدته، فلا يكون قذفا لواحد منهما. أشهب
ويختلف على هذا إذا كانت الأم حرة مسلمة والأب عبدا فقياد قول لا حد عليه; لأنه قاذف للأب، وعلى القول الآخر يحد; لأنه قاذف لها، ومثله إذا كان الأبوين حرين. ابن القاسم
واختلف هل الحق في ذلك للأب أو للأم أو لا حق لواحد منهما لما ذكره عن سحنون وقد كان يقال: إذا كانت الأم حرة مسلمة، فإنه يحد للأم بغير خلاف. أشهب؟
وهذا غير صحيح، ولا فرق بين كون الأم حرة مسلمة أو أمة أو نصرانية إذا كان القصد انقطاع النسب من قبل الأب، وأنه هو الزاني.
وإن كان الأحسن من هذه الأقوال قول من قال: إن انقطاعه من قبل الأم; لأنه مقصد الناس أنهم يرون الفساد في ذلك من قبل الأم، ولو كان هناك سماع أن أمه كانت تعذرت عليها الولادة، وأنها جاءت به، وقال : ذلك أردت- لم يحد إذا كان الولد عبدا، وإن كان الأبوين حرين.
وقال فيمن قال لميت: ليس فلان لأبيه، فقام أبوه بحده، وقال: قطع نسب ولدي مني، قال: عليه الحد . [ ص: 6264 ] ابن القاسم
فجعل قيام الأب لقطع نسب ولده، وليس لأنه زناه، وإنما هو قاذف للأم، فإن عفا قامت الأم إن كانت حية، أو من يستحق القيام بذلك عنها إن كانت ميتة، وعلى القول الآخر يكون القيام للأب، يحد لقذفه.
وقال فيمن قال لولده: لستم بولدي، فقام إخوتهم لأمهم لقذف الأم أو قامت الأم، قال يحلف أنه لم يرد قذفا، وإنما قال ذلك كما يقول الرجل: لو كنتم ولدي لأطعتموني، قال مالك: فإن نكل حد . ولم يحمل قوله في قطع نسب ولده; لأن ذلك أتى من قبله. وقال ابن القاسم: في العتبية في امرأة قالت لابنها: لست بابن أبيك، قال: عليها الحد . ابن القاسم
ويختلف هل تعد بذلك مقرة بالزنى، أو قاذفة للأب، أو غير مقرة، ولا قاذفة على ما ذكره عن سحنون لإمكان أن تريد: أنها التقطته ونسبته لأبيه؟ أشهب،