فصل رفض الأفعال والخلاف في الردة والمتكرر من الحدث
وقال في " مختصر ما ليس في المختصر" فيمن تصنع للنوم ثم لم ينم: [ ص: 81 ] مالك
إنه يتوضأ.
وقال أيضا في كتاب آخر فيمن كان في سفر فقدم سفرته ليفطر، ثم علم أنه لا ماء معه فلم يفطر: أستحب له القضاء .
ولا أرى على أحد من هذين شيئا، لأن هذا إنما نوى أن يفطر بالأكل فلم يفعل، وأراد الآخر أن ينقض طهارته بالنوم فلم ينم، ولو وجب انتقاض الطهارة لهذا لوجب على من أراد أن يصيب أهله فلم يفعل الغسل.
ورفض الأفعال على ثلاثة أوجه:
أحدهما: أن يرفض ذلك العمل وهو فيه لم يتمه.
والثاني: أن يرفضه بعد تمامه ولم يبق فيه حق يتعلق به.
والثالث: أن يتعلق به حق في المستقبل.
فإن كان في صلاة أو في صوم ونوى رفضه ثم أتمه ليس على القربة لله سبحانه لم يجزه، وإن أتمه على نية القربة لله إلا أنه قال: أجعل ذلك تطوعا، ثم أقضيه وكان في إحدى الصلوات الخمس، أجزأه ويقضيه استحسانا. وإن نوى رفض ذلك بعد الفراغ منه، كان فيه قولان: وجوب القضاء، ونفيه.
والقياس أنه لا يرتفض على أحد أمرين: إما أن يريد رفض العمل الماضي أو رفض ثوابه، فإن أراد رفض نفس العمل لم يصح; لأن ذلك مما يستحيل رفضه بعد انقضائه، وإن أراد رفض ثوابه كان الأمر فيه إلى الله سبحانه إن شاء أثبت له ثوابه وإن شاء لم يثبته. وسقوط الثواب لا يوجب عليه قضاء; لأن القضاء فرض ثان يحتاج إلى أمر ثان. [ ص: 82 ]
والثالث: الوضوء ينوي رفضه بعد تمامه، فهو في معنى الصلاة; لأنه فعل مضى ومخالف لها; لأنه قد بقي عليه أن يؤدي به طاعة.
وقد اختلف فيه أيضا هل يرتفض أو لا؟ والرفض ها هنا أشكل من الصلاة; لأن له أن يخرج منه بالحدث، وإذا كان ذلك ونوى أنه يبقى على غير تلك القربة استحب له أن يستأنف الوضوء، ويختلف على هذا إذا نوى رفض اغتساله من الجنابة، هل يجب عليه أن يستأنف؟ واختلف في الارتداد هل ينقض الطهارة.