فصل: لا زكاة على قوم ورثوا دارا فباعها القاضي ووضع ثمنها فأقام أحوالا
ومن المدونة قال في مالك قوم ورثوا دارا، فباع عليهم القاضي، ووضع ثمنها على يدي عدل حتى يقسم بينهم، فأقام أحوالا ثم قبضوه: لا زكاة عليهم حتى يحول الحول من يوم قبضوه.
فأسقط الزكاة لما كانوا مغلوبين على تنمية ذلك المال.
وإن كانوا عالمين به، وكان موقوفا بإيقاف القاضي، فقد اختلف في هذه المسألة، فقيل: يزكونه إذا اقتضوه لعام واحد; لأنه ضمار، والضمار: المال المحبوس عن أهله. وقيل: يزكونه للأعوام كلها; لأنه ملك لهم بنفس الموت. وقيل: إن وضعه القاضي على يدي عدل زكى للأعوام كلها.
واختلف أيضا هل علم الوارث بذلك وعدم علمه سواء؟ فقيل: إذا [ ص: 916 ] لم يعلم استأنف به حولا، وإن علم زكاه لعام. وقيل: للأعوام كلها.
وقال في المدونة فيمن مالك وقال في كتاب ورث مالا بمكان بعيد، ثم قبضه الوارث بعد ثلاثة أحوال: إنه لا شيء عليه فيه; حتى يحول الحول من يوم يقبضه رسوله. محمد: إن لم يعلم ووضعه الوالي على يدي ثقة، ومضى له سنون كثيرة; يزكيه لعام واحد. وقال مطرف في الواضحة: إن لم يعلم به; استأنف به حولا، وإن علم ولم يستطع التخلص إليه; زكاه لعام واحد، وإن كان يقدر على التخلص إليه زكاه لماضي السنين.
وإن وضعه السلطان على يدي عدل; زكاه لماضي السنين وإن لم يعلم به; لأن قبض السلطان للغائب والصغير كقبضه. والذي يقتضيه قول مالك في المدونة: أنه يستأنف الحول من يوم القبض وإن كان عالما به; لأنه جعل الحول من يوم يقبضه رسوله، فقد علم به ثم بعثه فيه، فلو كان للعلم تأثير، لكان الحول من يوم علم، ولا فرق في الحقيقة بين علمه وعدمه إذا كان غير قادر على أخذه. [ ص: 917 ]
وكل هذا الذي تقدم اضطراب، والصحيح من ذلك أحد وجهين:
فإما أن يقال: إن عدم القدرة على التصرف فيه والتنمية تمنع الزكاة، فلا تجب إلا من بعد القدرة على ذلك، علم بالمال أو لم يعلم، وضع على يدي عدل أو لم يوضع، وإلى هذا ذهب في المدونة في الدار التي بيعت على الورثة. مالك
أو يقال: إن عدم القدرة على التنمية لا يمنع الزكاة، فتجب لسائر الأعوام، وإن لم يعلم، ولم يوضع على يدي أحد، وهذا أحسنها; لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ولم يفرق. "أمرت أن آخذها من أغنيائكم، وأردها في فقرائكم"
ولم يختلف المذهب فيمن ورث ماشية أو نخلا; أنها تزكى لماضي الأعوام، علم أو لم يعلم، وضعت على يدي عدل أم لا; لأن التنمية فيها موجودة بخلاف العين، وكذلك الأسير والمفقود تزكى ماشيتهم وثمارهم بخلاف العين، وإذا بعث الورثة رسولا; فإنه لا يختلف أنه يحسب حولا من يوم قبضه، ولا ينظر إلى وقت وصوله إلى الوارث; لأنه كان قادرا على أن يوكله على تنميته، فإن كانت المسافة والمقام المعتاد فيما بين ذلك عاما أو عامين زكى عن تلك الأعوام، وإن عرض مانع في الطريق; عدو أو غيره، فأقام لأجله أعواما- عاد الخلاف في تلك المدة التي وقع فيها المنع على ما تقدم، إذا علم ولم يقدر على التخلص إليه. [ ص: 918 ]
ويختلف إذا حبسه الرسول تعديا أعواما، هل يستأنف به حولا أو يزكيه لعام واحد؟ ولا خلاف أنه لا يزكيه لتلك الأعوام; لأنه صار دينا.