باب في زكاة من عليه دين
وقال مالك فيمن أن الدين يسقط زكاة العين: الذهب والفضة، ولا يسقط زكاة الحرث، ولا الماشية، ولا زكاة العين إذا كان من معدن. وجبت عليه زكاة وعليه دين يغترق جميع ما في يديه:
وقد اختلف الناس في هذه المسألة، فقال أصحاب الرأي: يسقط الدين زكاة العين والمواشي، ولا يسقط زكاة الحرث، ولا زكاة العين إذا كان من معدن.
وقال سليمان بن يسار، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، والنخعي، والثوري، والليث، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور - رضي الله عنهم -: لا زكاة على من كان عليه دين في شيء من الأشياء.
وقال ربيعة، وحماد بن أبي سليمان، وابن أبي ليلى: واختلف فيه عن لا يسقط الدين الزكاة بحال. فقال مرة بقول الشافعي، ابن يسار وغيره ممن ذكرنا معه، ومرة بقول ربيعة.
واختلف المذهب في زكاة الفطر، فقال لا يسقط الزكاة بخلاف العين، وقيل: لا زكاة عليه كالعين. [ ص: 922 ] أشهب:
واختلف المذهب في زكاة العين إذا كان له من العروض أو غيرها ما يحمل دينه، فقال مالك يجعل دينه في عروضه، وسواء كانت للقنية أو للتجارة، ويزكي ناضه. وذكر وابن القاسم: عن عبد الملك الليث وسفيان، ومحمد بن عبد الحكم أنهم قالوا: يجعل الدين في الناض، ولا يجعل في العروض.
قال الشيخ -رضي الله عنه-: القياس لأن الزكاة مواساة من الأغنياء إلى الفقراء، ومن كان عليه دين يستغرق ما في يديه; فهو فقير ممن تحل له الزكاة قبل أن تؤخذ منه [ ص: 923 ] زكاة ما في يديه، وقد يكون الدين أكثر مما في يديه، فيكون من الغارمين، وليس هذه صفة من تجب عليه الزكاة. أن لا زكاة على من عليه دين أي صنف كان الذي تجب فيه الزكاة;
ومن المدونة قال لا يجعل الدين في عروضه إذا كانت ثياب جسده ويجعلها في الفاضل. يريد: عن لبسة واحدة. قال مالك: ويجعل دينه في خاتمه. ابن القاسم:
وقال لا يجعل دينه فيه. والأول أحسن، ولا مضرة في زوال الخاتم: ويجعل دينه في ثوبي جمعته إلا أن لا تكون لهما تلك القيمة، وهذا استحسان. ومن حق الطالب أن يباعا وإن قلت قيمتهما. أشهب:
واختلف في المدبر، فقال يجعل دينه في قيمته على أنه لا تدبير فيه. وقال ابن القاسم: لا يجعل دينه في قيمته، ولا في قيمة خدمته. سحنون:
وهذا هو الأصل ألا يجعل الدين إلا فيما يجوز أن يباع للغرماء، والأول استحسان واحتياط للزكاة، ومراعاة للقول أنه يجوز بيعه في الحياة وإن لم يكن عليه دين.
وأرى أن يجعل دينه فيما يجوز أن يباع من خدمته بالنقد، وذلك السنتان ونحوهما، قياسا على المعتق إلى أجل، ولم يختلفوا أن الدين يجعل في قيمة خدمته. [ ص: 924 ]
واختلف في المكاتب. فقال يجعل دينه في قيمة كتابته على حاله. وقال ابن القاسم: في قيمة عبد لا كتابة فيه مثله كالمدبر. والأول: أقيس، والثاني: احتياط للزكاة، ومراعاة للخلاف أن الكتابة ليست بعقد لازم. وقال أصبغ محمد: لو أخدم رجل رجلا عبده سنين، أو أخدم هو عبدا لغيره سنين أو حياته، لجعل دينه فيما تساوي تلك الخدمة، أو مرجع ذلك العبد.
قال الشيخ -رضي الله عنه-: قوله يجعل دينه في الخدمة إذا كانت حياته، ليس بحسن; لأن ذلك مما لا يجوز بيعه بنقد ولا بغيره، وأظنه قاس ذلك على المدبر، وليس مثله; لأن الجواب في المدبر مراعاة للخلاف في جواز بيعه في الحياة، ولا خلاف أنه لا يجوز للمخدم أن يبيع تلك الخدمة حياته، وكذلك المرجع لا يجوز أن يجعل فيه الدين; لأن بيعه لا يجوز. وأما إذا كانت الخدمة سنين معلومة; فيحسن أن يجعل الدين في قيمتها; لأنه لا يجوز بيعها.
ويختلف فيها بعد ذلك ولأن حقه متعلق بحياة العبد، وقد تقدم مثل ذلك فيمن اكترى دارا، ثم أكراها بالنقد.
وقال مالك: إذا كان عليه إجارة أجراء قد عملوا حط عنه في ذلك من [ ص: 925 ] الزكاة.
قال الشيخ -رضي الله عنه-: ولا يحط عنه الزكاة إذا لم يعملوا على أصل مالك إذا كانت الإجارة ليس فيها محاباة; لأنه يجعل دينه فيه.