الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
والخامس أنهم كانوا يستنجون على أطراف المياه الجارية القليلة ولا خلاف في مذهب الشافعي رضي الله عنه أنه إذا وقع بول في ماء جار ولم يتغير أنه يجوز التوضؤ به ، وإن كان قليلا .

وأي فرق بين الجاري والراكد وليت شعري هل الحوالة على عدم التغير أولى أو على قوة الماء بسبب الجريان ثم ما حد تلك القوة أتجري في المياه الجارية في أنابيب الحمامات أم لا فإن لم تجر فما الفرق وإن جرت فما الفرق بين ما يقع فيها وبين ما يقع في مجرى الماء من الأواني على الأبدان وهي أيضا جارية ثم البول أشد اختلاطا بالماء الجاري من نجاسة جامدة ثابتة إذا قضي بأن ما يجري عليها وإن لم يتغير نجس أن يجتمع في مستنقع قلتان فأي فرق بين الجامد والمائع والماء واحد والاختلاط أشد من المجاورة .

التالي السابق


الدليل (الخامس أنهم كانوا يستنجون على أطراف المياه الجارية القليلة) وهي التي يعدها الناس جارية، كما سبق قال الرافعي: إذا وقعت النجاسة في ماء الأنهار المعتدلة مائعة أو جامدة فالمائعة إن غيرته فالقدر المتغير نجس وحكم غيره معه كحكمه مع النجاسة الجامدة، فإن لم يتغير، فإن كان للموافقة في الأوصاف فالحكم على ما ذكر في الراكد، وإن كان لقلة النجاسة وانمحاقها فيه لم ينجس الماء، وإن كان قليلا; لأن الأولين كانوا يستنجون على شطوط الأنهار الصغيرة ولا يرونه تنجيسا لمائعها (ولا خلاف لمذهب الشافعي رحمة الله تعالى أنه إذا وقع بول في ماء جار ولم يتغير أنه يجوز التوضؤ به، وإن كان قليلا) وعزاه شارح الكنز إلى أبي حنيفة أيضا (وأي فرق بين الجاري والراكد) والجواب أن النجاسة لا تستقر مع جريان الماء بخلاف الراكد فهذا فرق صحيح (وليت شعري الحوالة على عدم التغير أولى أو على قوة الماء في الجريان) فالشافعي أحاله على عدم التغير، وهو صحيح، وأبو حنيفة أحاله على القوة، وهو صحيح أيضا، ولكل وجهة، فمن قال بعدم التغير فسببه قوة الماء في الجريان، ومن قال بقوة الماء يلزم منه عدم التغير فلا يكون أحد القولين أولى من الآخر عند التأمل (ثم ما حد تلك القوة) في الماء عند جريانه (أيجري) حدها (في المياه الجارية في أنابيب الحمامات) جمع أنبوب، وهو ما بين الكعبين من القصب (أم لا) يجري (فإن لم يجر فما الفرق) ولماذا لم يقس على الماء الجاري (وإن جرى فما الفرق بين ما يقع فيها) أي في تلك الأنابيب أي الأقصاب (وبين ما يقع في مجرى الماء من الأواني على الأبدان وهي أيضا جارية ثم) إن (البول أشد اختلاطا بالماء الجاري من نجاسة جامدة ثابتة) لرقة أجزائه (إذا قضي) أي حكم (بأن ما يجري عليها) أي على النجاسة الجامدة من الماء (وإن لم يتغير) فهو (نجس إلا أن) ، وفي نسخة إلى أن (يجتمع في منقع) أو حوض أو حفرة (قلتان) منه، كما سبق تقريره (فأي فرق بين الجامد والمائع والماء واحد والاختلاط أشد من الجوار) ، وفي نسخة المجاورة، وقد فرق المصنف بنفسه بين الجامد والمائع من النجاسات ورتب على كل منهما أحكاما خاصة في كتبه الثلاثة البسيط والوسيط والوجيز، وهنا قد رجع عن ذلك كله بحسب ما ظهر له وأداه اجتهاده، وهذا يدلك على أن كتاب الإحياء آخر مؤلفاته ولو نوزع في منهاج العابدين أنه يحيل فيه على الإحياء فالذي اعتمده أرباب الكشف أنه ليس له بل هو لرجل من سبتة المغرب، كما تقدمت الإشارة إليه في خطبة الكتاب، وذكر الأصبهاني في تعليل المحرر أن للشافعي قولا قديما أن الماء الجاري قليلا أو كثيرا سريعا أو بطيئا لا ينجس بملاقاة النجاسة إلا بتغير أحد أوصافه .




الخدمات العلمية