الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
فهذه سنن الوضوء والغسل ذكرنا منها ما لا بد لسالك طريق الآخرة من علمه وعمله وما عداه من المسائل التي يحتاج إليها في عوارض الأحوال فليرجع فيها إلى كتب الفقه .

والواجب من جملة ما ذكرناه في الغسل أمران النية واستيعاب البدن بالغسل .

التالي السابق


(فهذه) جملة من (سنن الوضوء و) سنن (الغسل) وآدابهما (ذكرنا منها ما لا بد لسالك طريق الآخرة من عمله) ومعرفته (وعمله) ، أي : العمل به ، وإنما قيد طريق الآخرة ؛ لأن السالك لطريق الدنيا لا يكتفي بهذا القدر ، بل يتطلب لما وراء ذلك من الدقائق والمشكلات والتوجيهات (وما عداه من المسائل التي يحتاج إليها في عوارض الأحوال فيرجع فيها إلى كتب الفقه) المؤلفة المبسوطة المتضمنة لتلك الدقائق في المذهبين ولما فرغ من بيان كيفية الغسل بطريق الأكمل وقدمه لما فيه من البسط والتطويل وأشار إلى القول بكيفيته بالأقل بقوله : (والواجب من جملة ما ذكرناه في الغسل أمران أحدهما النية) قد أجمعوا على وجوبها في طهارة الحدث والغسل من الجنابة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : إنما الأعمال بالنيات إلا أبا حنيفة ، فإنه قال : لا تجب النية فيهما ويصحان مع عدمهما قال الرافعي : فلا يجوز أن تتأخر النية عن أول الغسل ، كما لا يجوز أن تتأخر في الوضوء عن أول غسل الوجه ، وإن حدثت مقارنة لأول الغسل المفروض صح الغسل ، لكنه لا ينال ثواب ما قبله من السنن ، وإن تقدمت عن أول غسل مفروض وعزبت قبله فوجهان ، ثم إن نوى رفع الجنابة أو رفع الحدث عن جميع البدن أو نوت الحائض رفع حدث الحيض صح الغسل ، وإن نوى رفع الحدث مطلقا ولم يتعرض للعبادة ولا غيرها صح غسله أيضا على أظهر الوجهين ولو نوى رفع الحدث الأصغر ، فإن تعمد لم يصح غسله على أظهر الوجهين ، وإن غلط فظن أن حدثه الأصغر لم ترتفع الجنابة عن غير أعضاء الوضوء ، وفي أعضاء الوضوء وجهان أظهرهما أنها ترتفع عن الوجه واليد والرجلين ؛ لأن غسل هذه الأعضاء واجب في الحدثين ، فإذا غسلها بنية غسل واجب كفى ولا ترتفع عن الرأس في أصح الوجهين ؛ لأن فرض الرأس في الوضوء المسح والذي نواه إنما هو المسح والمسح لا يغني عن الغسل ، أما إذا نوى المغتسل استباحة نفل نظر إن كان مما يتوقف على الغسل كالصلاة والطواف وقراءة القرآن فالحكم على ما سبق في الوضوء ومن هذا القبيل ما إذا نوت الحائض استباحة الوطء في أصح الوجهين ، والثاني أن غسلها بهذه النية لا تصح الصلاة به وما في معناها كغسل الذمية من الحيض لتحل للزوج المسلم ، وإن لم يتوقف الفعل المنوي على الغسل نظر إن لم يستحب له الغسل لم يصح بنية استباحته ، وإن كان يستحب له الغسل كالعبور في المسجد والأذان وكما لو اغتسل للجمعة والعيد فالحكم ما ذكرنا في الوضوء ، وإن نوى الغسل المفروض أو فريضة الغسل صح غسله والله أعلم (و) الثاني (استيعاب) جميع (البدن بالغسل) قال صلى الله عليه وسلم : تحت كل شعرة جنابة فبلوا الشعر وانقوا البشرة رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة بسند ضعيف [ ص: 381 ] قال الرافعي : ومن جملة البشرة ما يظهر من صماخي الأذنين وما يبدو من الشقوق ، وكذا ما تحت القلفة من الأقلف وما ظهر من أنف المجدوع في أظهر الوجهين ، وكذا ما ظهر من الثيب بالافتضاض قدر ما يبدو عند القعود لقضاء الحاجة دون ما وراء ذلك في أظهر الوجوه ؛ لأنه صار ذلك في حكم الظاهر كالمشقوق ، والثاني أنه لا يجب غسل ما وراء ملتقى الشفرين ، كما لا يجب غسل باطن الفم والأنف خاصة وإزالة دمها ولا يدخل فيهما باطن الفم والأنف فلا تجب المضمضة والاستنشاق في الغسل عندنا خلافا لأبي حنيفة ، وذكر إمام الحرمين أن في بعض تعاليق شيخه حكاية وجه موافق لمذهب أبي حنيفة قلت : مذهب أبي حنيفة أنهما واجبتان في الطهارة الكبرى مسنونتان في الصغرى ، وقال أحمد : هما واجبتان فيهما جميعا ، وقال مالك والشافعي : هما مسنونتان فيهما جميعا ، ثم هو فرض اجتهادي لاختلاف العلماء فيه ودليل أبي حنيفة قوله تعالى : وإن كنتم جنبا فاطهروا أي فاغسلوا أبدانكم والبدن يتناول الظاهر والباطن وما فيه حرج سقط للضرورة والفم والأنف يغسلان عادة وعبادة نفلا في الوضوء وفرضا في النجاسة الحقيقية فشملهما نص الكتاب ، وكذا ما تقدم من حديث أبي هريرة تحت كل شعرة جنابة الحديث وكونهما من الفطرة لا يقتضي الوجوب ؛ لأنها الدين ، وهو أعم منه فلا يعارضه بخلافهما في الوضوء ؛ لأن الوجه هو ما يقع به المواجهة ولا تكون بداخل الأنف والفم ودليل مالك والشافعي أنهما لو وجبا في غسل الحي لوجبا في غسل الميت وأيضا لو وجبا في الغسل لكانا من الوجه ولو كانا من الوجه لوجب غسلهما في الوضوء .




الخدمات العلمية