الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وهذه الدقائق في الترتيب تنكشف بنور النبوة في لحظة واحدة وإنما يطول التعب علينا .

ثم لو سئلنا ابتداء عن الترتيب في ذلك ربما لم يخطر لنا .

وإذا ذكرنا فعله صلى الله عليه وسلم وترتيبه ربما تيسر لنا مما عاينه صلى الله عليه وسلم بشهادة الحكم وتنبيهه على المعنى استنباط المعنى ولا تظنن أن أفعاله صلى الله عليه وسلم في جميع حركاته كانت خارجة عن وزن وقانون وترتيب بل جميع الأمور الاختيارية التي ذكرناها يتردد فيها الفاعل بين قسمين أو أقسام كان لا يقدم على واحد معين بالاتفاق ، بل بمعنى يقتضي الإقدام والتقديم فإن الاسترسال مهملا كما يتفق سجية البهائم وضبط الحركات بموازين المعاني سجية أولياء الله تعالى .

وكلما كانت حركات الإنسان وخطراته إلى الضبط أقرب وعن الإهمال وتركه سدى أبعد كانت مرتبته إلى رتبة الأنبياء والأولياء أكثر ، وكان قربه من الله عز وجل أظهر ؛ إذ القريب من النبي صلى الله عليه وسلم هو القريب من الله عز وجل والقريب من الله لا بد أن يكون قريبا فالقريب من القريب قريب بالإضافة إلى غيره فنعوذ بالله أن يكون زمام حركاتنا وسكناتنا في يد الشيطان بواسطة الهوى .

واعتبر في ضبط الحركات باكتحاله صلى الله عليه وسلم ، فإنه كان يكتحل في عينه اليمنى ثلاثا ، وفي اليسرى اثنين فيبدأ باليمنى لشرفها .

وتفاوته بين العينين لتكون الجملة وترا فإن للوتر فضلا عن الزوج فإن الله سبحانه وتر يحب الوتر فلا ينبغي أن يخلو فعل العبد من . مناسبة لوصف من أوصاف الله تعالى .

ولذلك استحب الإيتار في الاستجمار .

وإنما لم يقتصر على الثلاث ، وهو وتر لأن اليسرى لا يخصها إلا واحدة والغالب أن الواحدة لا تستوعب أصول الأجفان بالكحل وإنما خصص اليمين بالثلاث لأن التفضيل لا بد منه للإيتار واليمين أفضل فهي بالزيادة أحق .

فإن قلت فلم اقتصر على اثنين لليسرى وهي زوج فالجواب أن ذلك ضرورة ؛ إذ لو جعل لكل واحدة وتر لكان المجموع زوجا ؛ إذ الوتر مع الوتر زوج ورعايته الإيتار في مجموع الفعل ، وهو في حكم الخصلة الواحدة أحب من رعايته في الآحاد .

.

التالي السابق


(وهذه) حكمة ظاهرة عند صدق التأمل وتلك (الدقائق) الخفية (في الترتيب) المذكور في القص (تنكشف بنور النبوة في لحظة واحدة) لمن اقتبس جذوة منه (وإنما يطول التعب علينا) لبعدنا عن تلك الأنوار (ثم لو سئلنا ابتداء ربما لم يخطر لنا) بالبال (وإذا ذكرنا فعله صلى الله عليه وسلم وترتيبه) المراعى في ذلك (ربما تيسر لنا بما عاينه صلى الله عليه وسلم) ، وفي بعض النسخ بإعانته صلى الله عليه وسلم ، ثم (بشهادة الحكم وتنبيهه على المعنى استنباط المعنى) من ذلك (ولا تظنن) أيها السالك في طريق الحق (أن أفعاله صلى الله عليه وسلم كانت خارجة عن) دائرة (وزن) معنوي (وقانون) إلهي (وترتيب) رباني (بل جميع الأمور الاختيارية التي يتردد فيها الفاعل بين قسمين أو أقسام) متنوعة (كان لا يقدم على واحد) منها (معين بالاتفاق ، بل معنى يقتضي الإقدام) عليه (والتقديم) على غيره (فإن الاسترسال مهملا كما) وفي بعض النسخ كيفما (يتفق سجية البهائم) [ ص: 415 ] ومن لا يعقل المعاني (وضبط الحركات بموازين المعاني) الصادقة (سجية أولياء الله تعالى) ، أي : عادتهم وخلقهم (وكلما كانت حركات الإنسان) في أفعاله (وخطراته) في قصوده وإراداته (إلى الضبط) الإلهي أقرب (وعن الإهمال وتركه سدى) بلا حكمة (أبعد كانت مرتبته إلى الأولياء) والصديقين (والأنبياء أكثر ، وكان قربه من الله عز وجل أظهر ؛ إذ القريب) بحركاته من الولي الرحماني هو القريب (من النبي صلى الله عليه وسلم هو القريب من الله عز وجل) يشير إلى ذلك قوله تعالى : فاتبعوني يحببكم الله (والقريب من الله لا بد أن يكون قريبا فالقريب من القريب قريب بالإضافة) ، أي : النسبة (إلى غيره) الذي ليس هو قريبا (فنعوذ بالله أن يكون زمام حركاتنا وسكناتنا) في الأمور والأفعال وملاكها (في ناحية الشيطان) ، أي : في يده (بواسطة الهوى) النفساني (ولنبين عن ضبط الحركات باكتحاله صلى الله عليه وسلم ، فإنه) ثبت من حديث ابن عمر فيما رواه الطبراني بإسناد ضعيف أنه (كان يكتحل في عينه اليمنى ثلاثا ، وفي اليسرى اثنين) ، أي : (فيبدأ باليمنى) ؛ لأنه كان من عادته التيمن في شأنه كله كما هو عند الترمذي في الشمائل ، وإنما كان يختار البداءة باليمنى من العين (لشرفها وتفاوته في العينين) بأن في إحداهما ثلاثا ، وفي الأخرى اثنين (لتكون الجملة وترا) ، أي : فردا (فإن للوتر فضلا على الزوج) من الأعداد (فإن الله سبحانه وتر يحب الوتر ) هو حديث ، وقد أغفله العراقي أخرجه أحمد والبزار عن ابن عمر ، وقال الهيثمي : رجاله موثقون ، وأخرجه محمد بن نصر في كتاب الصلاة عن أبي هريرة وابن عمر والمعنى أن الله تعالى واحد في ذاته لا يقبل الانقسام والتجزئة واحد في صفاته فلا شبيه له واحد في أفعاله فلا شريك له ليس كمثله شيء وهو السميع البصير يحب الوتر ، أي : صلاته أو أعم بمعنى أنه يثيب عليه ويقبله من عامله قبولا حسنا قال القاضي : وكل ما يناسب الشيء أدنى مناسبة كان أحب إليه مما لم يكن له تلك المناسبة ، وعند الترمذي من حديث عاصم مثله بزيادة : فأوتروا يا أهل القرآن ، وهذا يؤيد من ذهب إلى أن المراد بالوتر صلاته وفيه إطلاق الوتر على الله تعالى ، ولكن لا من جهة العدد ، ولكن بمعنى لا نظير له كإطلاق الفرد عليه بهذا المعنى (فلا ينبغي أن يخلو فعل العبد من مناسبته لوصف من أوصاف الله تعالى) فيتعين عليه أن يكون من أهل الوتر في جميع الأفعال حتى يطلب العدد والكمية قال الحكيم الترمذي : خلق الله الأشياء على محبوب الوتر واحدا وثلاثا وخمسا وسبعا فالعرش واحد والكرسي واحد والقلم واحد واللوح واحد والدار واحدة والسجن واحد وأبواب الجنة سبعة والأيام سبعة والأنهار سبعة وافترض على عباده خمس صلوات وعدد ركعاتها سبعة عشر وأم القرآن آياتها وتر إلى آخر ما ذكره ، وقوله : فلا ينبغي إلخ قال المصنف في خاتمة شرح الأسماء الحسنى : ولقد سمعت الشيخ أبا علي الفارمدي عن شيخه أبي القاسم الكركاني أنه قال : إن الأسماء التسعة والتسعين تصير أوصافا للعبد السالك ، وهو بعد في السلوك غير واصل ، وهذا الذي ذكره إن أراد به شيئا يناسب ما أوردناه في التنبيهات فهو صحيح ولا يظن به إلا ذلك ويكون في اللفظ نوع توسع واستعارة وإلا فمعاني الأسماء هي صفات الله تعالى وصفاته لا تصير صفة لغيره ، ولكن معناه من يحصل ما يناسب تلك الأوصاف ، كما يقال : فلان حصل علم الأستاذ وعلم الأستاذ لا يحصل للتلميذ ، بل يحصل له مثل علمه ، وإن ظن ظان أن المراد ليس ما ذكرناه فهو باطل قطعا ، ثم أطال في تقرير كلامه فراجعه (ولذلك) ، أي : ولما كان الوتر محبوبا إلى الله تعالى (أستحب الإيتار في الاستجمار ) إما بمعنى استعمال الحجر في الاستنجاء كما تقدم في بابه أو بمعنى استعمال البخور ، كما كان يفعله ابن عمر ونقل عن مالك أيضا (وإنما لم يقتصر على الثلاث ، وهو وتر) بأن يجعل في اليمنى اثنين ، وفي اليسرى واحدا (لأن اليسرى) على هذا (لا يخصها إلا) كحلة (واحدة والغالب أن الواحدة لا تستوعب أصول الأجفان بالكحل) فلذلك أعطى لليمنى ثلاثا ولليسرى اثنين فيحصل الإيتار بمجموعهما مع استيعاب اليسرى حقها (وإنما خصص اليمنى) بالثلاث (لأن التفضيل لا بد منه للإيتار واليمين أفضل) وأشرف (فهي بالزيادة أحق) من اليسار (فإن قلت لم اقتصر على اثنين لليسرى وهي زوج) ، وقد قلتم بمحبوبية الإيتار في كل شيء ، وقد قال [ ص: 416 ] ابن عربي في اكتحال الوتر في كل عين واحدة أو ثلاث ؛ لأن كل عضو عين مستقل (فالجواب أن ذلك ضرورة ؛ إذ لو جعل لكل واحدة وترا) واحدا أو ثلاثا (كان المجموع زوجا ؛ إذ الوتر مع الوتر زوج) ، وهذا ظاهر ، ولكن يعكر عليه ما سيأتي بعد أنه كان يكتحل في كل عين ثلاثا (ورعايته الإيتار في مجموع الفعل ، وهو في حكم الجملة الواحدة أحب من رعايته في الآحاد) ، وهذا على تقدير أن العينين في حكم عضو واحد فينظر فيه إلى مجموع الفعل والحكمة المذكورة ، وإن كانت صحيحة ، لكنها إذا عورضت بما يخالفها ينعدم حكمها .




الخدمات العلمية