الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
فصل .

وفي اللحية عشر خصال مكروهة وبعضها أشد كراهة من بعض خضابها .

بالسواد
وتبييضها بالكبريت ونتفها ونتف الشيب منها والنقصان منها والزيادة وتسريحها تصنعا لأجل الرياء وتركها شعثة إظهارا للزهد والنظر إلى سوادها عجبا بالشباب وإلى بياضها تكبرا بعلو السن وخضابها بالحمرة والصفرة من غير نية تشبها بالصالحين .

أما الأول ، وهو الخضاب بالسواد فهو منهي عنه لقوله صلى الله عليه وسلم : خير شبابكم من تشبه بشيوخكم ، وشر شيوخكم من تشبه بشبابكم والمراد بالتشبه بالشيوخ في الوقار لا في تبييض الشعر ونهى عن الخضاب بالسواد وقال هو خضاب أهل النار وفي لفظ آخر : الخضاب بالسواد خضاب الكفار وتزوج رجل على عهد عمر رضي الله عنه ، وكان يخضب بالسواد فنصل خضابه وظهرت شيبته فرفعه أهل المرأة إلى عمر رضي الله عنه فرد نكاحه وأوجعه ضربا ، وقال : غررت القوم بالشباب ولبست عليهم شيبتك ويقال : أول من خضب بالسواد فرعون لعنه الله وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : يكون في آخر الزمان قوم يخضبون بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة .

.

التالي السابق


(فصل)

(وفي اللحية عشر خصال مكروهة وبعضها أشد من بعض) ونص القوت ، وفي اللحية من خفايا الهوى ودقائق آفات النفوس ، ومن البدع المحدثة اثنا عشر خصلة بعضها أعظم من بعض وكلها مكروهة ، وقد كنا أجملنا ذلك عددا في باب آفات النفوس (وهو خضابها بالسواد ) لأجل الهوى وتدليس الشيب (وتبييضها بالكبريت) وغيره استعجالا لإظهار علو السن وسترا للحداثة والتعليم (و) من ذلك (نتفها و) أيضا (نتف الشيب منها ) تغطية للتكهل (والنقصان والزيادة فيها) على ما سيأتي بيانه (وتسريحها تصنعا لأجل الرياء) ونص القوت لأجل الناس (وتركها شعثة) تفلة مغبرة (إظهارا للزهد) والتهاون بالقيام على النفس ؛ لأنه قد عرف بذلك (و) من ذلك (النظر إلى سوادها عجبا) بها وخيلاء وغرة (بالشباب) وفخرا (و) من ذلك النظر (إلى بياضها تكبرا بعلو السن) وتطاولا على الشباب فيحجبه نظره إليها عن النظر لنفسه من تعلم العلم وتعلم القرآن الذي لا يسعه جهله (و) من ذلك (خضابها بالحمرة والصفرة من غير نية) صالحة (تشبها بالصالحين) والقراء من أهل السنة فهذه عشر خصال ، وزاد صاحب القوت فقال : ومنه تقصيصها كالتعبية طاقة على طاقة للتزين والتصنع ، ووافقه النووي فعد الخصال المكروهة فيها اثني عشر كما قاله صاحب القوت وزاد حلقها وعقدها وضفرها ، وبه تمت الخصال اثني عشر ، ثم فسر المصنف تلك الخصال فقال : (أما الأول ، وهو الخضاب بالسواد ) لا لفرض الجهاد (فهو منهي عنه لقوله صلى الله عليه وسلم : خير شبابكم من تشبه بشيوخكم ، وشر شيوخكم من تشبه بشبابكم ) كذا في القوت ، ولكن قال : بكهولكم بدل بشيوخكم قال العراقي : أخرجه الطبراني من حديث واثلة بن الأسقع بإسناد ضعيف اهـ .

قلت : وكذا أبو يعلى قال الهيثمي : وفيه من لم أعرفهم ، وأخرجه البيهقي عن ابن عباس ، وقال : تفرد به بحر بن كنيز السقا وبحر قال في الكاشف : تركوه ، وفي الضعفاء اتفقوا على تركه وفيه أيضا الحسن بن أبي جعفر ، وهو ضعيف ، وأخرجه ابن عدي عن ابن مسعود ، وقال ابن الجوزي : حديث لا يصح (والمراد بالتشبه بالشيوخ) في الحديث المذكور (في الوقار لا في تبييض الشعر) ، فإنه مكروه لما فيه من إظهار علو السن توصلا إلى التصدير ، وقال ابن أبي ليلى : يعجبني أن أرى قفا الشاب أحسبه شيخا وأبغض أن أرى قفا الشيخ أحسبه شابا ، فإذا هو بشيخ وأخذ الماوردي من الحديث أنه ينبغي للطالب الاقتداء بأشياخه والتشبه بهم في جميع أفعالهم ليصير لها آلفا وعليها ناشئا ولما خالفها مجانبا ، وقال المناوي في شرح الجامع معنى من تشبه بكهولهم أي في سيرتهم لا في صورتهم فيغلب عليه وقار العلم وسكينة الحلم ونزاهة التقوى من مداني الأمور وكف نفسه عن علة الطبع وأخلاق السوء والتصابي واللهو فيكون في الدنيا في رعاية الله ، وفي القيامة في ظله ومعنى من تشبه بشبابكم أي في العجلة والثبات والصبر عن الشهوات والقصد من حث الشباب على اكتساب الحلم وزجر الكهول عن الخفة والطيش (ونهى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن الخضاب بالسواد ) قال العراقي : أخرجه ابن سعد في الطبقات من حديث عمرو بن العاص بإسناد منقطع ولمسلم من حديث جابر : غيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد قاله حين رأى بياض شعر أبي قحافة (وقال) صلى الله عليه وسلم : (هو خضاب أهل النار ) ، أي : الخضاب بالسواد (وفي لفظ آخر : الخضاب بالسواد خضاب الكفار ) .

قال العراقي أخرجه الطبراني والحاكم من حديث ابن عمر بلفظ : الكافر قال ابن أبي [ ص: 421 ] حاتم منكر اهـ. وسيأتي بقية الحديث قريبا ، ومذهب الشافعي ندب خضب الرجل والمرأة بنحو حمرة أو صفرة ويحرم عليهما خضابه بالسواد إلا الرجل لحاجة الجهاد وقيل : يكره قاله ابن حجر في شرح الشمائل ، وأما قول عياض : منع الأكثرون الخضاب مطلقا ، وهو مذهب مالك فقد رده النووي بما هو مذكور في شرح مسلم (وتزوج رجل) بامرأة (على عهد عمر رضي الله عنه ، وكان يخضب بالسواد فنصل) ، أي : زال (خضابه وظهر سنه) ، وفي القوت فظهرت شيبته ، وفي بعض النسخ وظهر شيبه (فرفع أهل المرأة إلى عمر رضي الله عنه فرد نكاحه وأوجعه ضربا ، وقال : غررت القوم بالشباب ولبست عليهم شيبك) ونص القوت ودلست عليهم شيبتك (ويقال : أول من خضب بالسواد فرعون) ملك مصر (لعنه الله) نقله صاحب القوت وذكره السيوطي في الأوليات (وعن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : يكون في آخر الزمان قوم يخضبون بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة ) أورده صاحب القوت ، وقال : رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وقال العراقي : أخرجه أبو داود والنسائي من حديثه بإسناد جيد اهـ .

والحواصل جمع حوصلة الطائر بتشديد اللام وتخفيفها معروف ولا يريحون أي لا يشمون .




الخدمات العلمية