الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ثم تأمل أن يرد الله سبحانه عليك سلاما وافيا بعدد عباده الصالحين .

ثم تشهد له تعالى بالوحدانية ولمحمد نبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة مجددا عهد الله سبحانه بإعادة كلمتي الشهادة ، ومستأنفا للتحصن بها .

التالي السابق


(ثم تأمل أن يرد الله سبحانه عليك سلاما وافيا بعدد عباده الصالحين) نظرا إلى سعة رحمته، (ثم تشهد له تعالى بالوحدانية ولمحمد نبيه -صلى الله عليه وسلم- بالرسالة مجددا عهد الله سبحانه ) الذي أمرت بمراعاته في قوله تعالي: والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون (بإعادة كلمتي الشهادة، ومستأنفا للتحصن بها) من شر وسواس الشيطان ردا للعجز على الصدر فتقول: أشهد أن لا إله إلا الله، زاد ابن أبي شيبة : وحده لا شريك له، وسنده ضعيف، وثبتت هذه الزيادة أيضا في حديث أبي موسى عند مسلم، وفي حديث عائشة الموقوف في الموطأ: "وأشهد أن محمدا رسول الله"، كذا في حديث ابن عباس عند مسلم وأرباب السنن، وهو الذي رجحه الشيخان الرافعي والنووي، وأن الإضافة للضمير لا تكفي، لكن المختار أنه يجوز لما ثبت في الصحيحين، أما معنى الشهادة، فقد تقدم في أول التشهد، وهذا التوحيد هنا إنما هو توحيد ما يقتضيه عمل الصلاة عموما، وما يقتضيه حال كل مصل في صلاته خصوصا، فإن أحوال المصلين تختلف بلا شك، ثم عطف الشهادة بالرسالة على شهادة التوحيد ليؤذن بالقرب الإلهي من المرسل بما فيه من ذكر الرسالة المضافة إلى الله، وبدأ بالشهادة حين عطفها باسمه محمد لما جمع فيه من المحامد، أي: بها استحق العطف بحرف التشريك وذكر الرسالة دون النبوة، يتضمنها إياها، فلو ذكر النبوة وحدها كان يبقى علينا اختصاصه بالرسالة، فيحتاج إلى ذكرها حتى نعلم بخصوص أوصافه على من ليس له منزلة الرسالة من عباد الله النبيين، فهذا تشهد لسان الجلال .

وأما تشهد لسان الجمال، فهو تشهد ابن مسعود، وهو على هذا الحد إلا ما اختص به مما نذكره، وهو أن يقول صاحب هذا المقام بلسانه: والصلوات والطيبات، فأتى بالصلوات لعموم ما تدل عليه في الرحموتيات والدعاء وأنواعه من الأحوال، وكلها صلاة، وعطف عليها بالنعتية بالطيبات ليطيب بها نفسا، واختص في هذا التشهد بإضافة العبودية إلى ألوهية لا إلى الله، وهو مقام شريف في حق رسول الله، حيث أخبر أنه -صلى الله عليه وسلم- في حال نظره في ربه من حيث ما تستحقه ذاته التي لا تعرف، ولا مناسبة بينها وبين الممكنات بخلاف من قال بلسان الكمال: وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، فإن الإضافة بالعبودية كانت إلى الله لا إلى ألوهيته، وهو أن ينظر فيه من حيث ما يطلبه الممكن، ويليق وهو دون ما تشهد به ابن مسعود، وأسقط المتشهد بلسان الجلال وبلسان الجمال: الزاكيات، فإنهما راعوا الاشتراك في الزيادة، وراعى عمر ما في الزكاة من التقديس مع وجود الزيادة التي تشترك فيها مع البركة فاكتفى بالزاكيات، وأنكر هذا جماعة من أهل الرسوم ممن لا علم لهم بعلوم الأذواق ومواقع اختلاف خطاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يأت في لسان الجلال في نعت التحيات بحرف عطف، وقال فيها: سلام، بالتنكير لمراعاة خصوص حال كل مصل، فجاء بسلام منكر ليأخذ كل مصل منه على حسب حاله في مقام السلام على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي مقام السلام على نفسه، والصالحين من عباد الله، وكذلك اختص بترك تكرار لفظ الشهادة في الرسالة كما في بعض رواياته .

وذكره الرافعي في الشرح واكتفى بالواو لما فيها من قوة الاشتراك، وذلك مثل قوله تعالى: شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم ولم يعطف بذكر الشهادة تشريفا لهم، وإن كان قد فصلهم عن شهادته [ ص: 161 ] لنفسه يذكر لا إله إلا هو، وأسقط كذلك لفظ العبودية لتضمن الرسالة إياها، والله أعلم .



(تنبيه) :

قال الحافظ ابن حجر : وقد ورد في بعض طرق حديث ابن مسعود في التشهد ما يقتضي المغايرة بين زمانه -صلى الله عليه وسلم- فيقال بلفظ الخطاب، وأما بعده فبلفظ الغيبة، ففي الاستئذان من صحيح البخاري من طريق أبي معمر عن ابن مسعود بعد أن ساق هذا الحديث، قال: وهو بين ظهرانينا، فلما قبض قلنا: السلام، يعني على النبي -صلى الله عليه وسلم- .

وأخرجه أبو عوانة في صحيحه، والسراج والجوزقي، وأبو نعيم الأصبهاني، والبيهقي من طرق متعددة إلى أبي نعيم شيخ البخاري فيه بلفظ: "فلما قبض قلنا: السلام على النبي". بحذف لفظ: يعني، قال السبكي في شرح المنهاج بعد أن ذكر هذه الرواية من عند أبي عوانة وحده إن صح هذا عن الصحابة دل على أن الخطاب في السلام بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- غير واجب فيقال: السلام على النبي. اهـ .

قال الحافظ: قلت: قد صح بلا ريب، وقد وجدت له تابعا قويا، قال عبد الرازق: أخبرنا ابن جريج، أخبرني عطاء أن الصحابة كانوا يقولون، والنبي -صلى الله عليه وسلم- حي: السلام عليك أيها النبي، فلما مات قالوا: السلام على النبي. وهذا إسناد صحيح، والله أعلم .




الخدمات العلمية