الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ثم ختم أوصاف المفلحين بالصلاة أيضا ، فقال تعالى والذين هم على صلواتهم يحافظون ثم قال تعالى في ثمرة تلك الصفات : أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون فوصفهم بالفلاح أولا وبوراثة الفردوس آخرا وما عندي أن هذرمة اللسان مع غفلة القلب تنتهي إلى هذا الحد ولذلك قال الله عز وجل في أضدادهم ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين فالمصلون هم ورثة الفردوس وهم المشاهدون لنور الله تعالى والمتمتعون بقربه ودنوه من قلوبهم .

نسأل الله أن يجعلنا منهم وأن يعيذنا من عقوبة من تزينت أقواله ، وقبحت أفعاله إنه الكريم المنان القديم الإحسان وصلى الله على كل عبد مصطفى .

التالي السابق


(ثم ختم أوصاف المفلحين بالصلاة أيضا ، فقال تعالى) في آخرها : ( والذين هم على صلاتهم يحافظون ) ، وقال في نعت أوليائه المصلين الذين استثناهم من الجزوعين من المصائب ، والفقر ، المنوعين المال والخير ، فقال : إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون ، ثم نسق النعوت ، فقال في آخرها : والذين هم على صلاتهم يحافظون ، فلولا أنها أحب الأعمال إليه ما جعلها مفتاح صفات أحبابه ، وختامها ، وكما وصفهم بالدوام ، والمحافظة عليها ، ومدحهم بالخشوع فيها ، والخشوع هو : انكسار القلب ، وإخباته ، وتواضعه ، ولين الجوانب ، وكف الجوارح فيها ، والمحافظة هو : حضور القلب وإصغاؤه وصفاء الهم ، وإفراده في مراعاة الوقت ، وإكمال طهارته (ثم قال تعالى في ثمرة تلك الصفات : أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون فوصفهم بالفلاح أولا) ، وهو الفوز والظفر ، وإدراك البغية ، وذلك ضربان : دنيوي هو الظفر بالسعادة التي تطيب بها حياتهم ، وأخروي ، وهو أربعة أشياء : بقاء بلا فناء ، وعز بلا ذل ، وغنى بلا فقر ، وعلم بلا جهل ؛ ولذا قيل : الفلاح جامع للخيور كلها (وبوراثة الفردوس آخرا) ، وهو خير المستقر والمأوى ، والفردوس اسم جنة من الجنات ، قيل : عربي من الفردسة ، وهي السعة ، وقيل : رومي معرب ، ووراثته ملكه ، والفوز به على طريق الملكية (وما عندي أن هذرمة اللسان) ، أي : خلطه وسرعته (مع غفلة القلب) عن الحضور ، والاستحضار فيها (ينتهي إلى هذا الحد) .

وفي نسخة : تنتهي درجته إلى هذا الحد (ولذلك قال الله تعالى في) نعوت (أضدادهم) من أهل النار ، وأصحاب اللعنة وسوء القرار : ( ما سلككم في سقر ) ، وهي طبقة من طبقات النار - أعاذنا الله منها - ( قالوا لم نك من المصلين ) ، فاعترفوا بذنبهم الأكبر ، وهو ترك الصلاة ، وقال موبخا لآخر مثلهم : فلا صدق ولا صلى ونهى حبيبه - صلى الله عليه وسلم - عن طاعة من نهاه عن الصلاة ، ثم أمره بها ، وأمره أن القرب فيها ، فقال : أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى الآية (فالمصلون هم ورثة الفردوس ) الأعلى (وهم المشاهدون) ببصائرهم (لنور الله تعالى) في صلواتهم (و) هم (الممتعون بقربه ودنوه من قلوبهم) ، وقرب الله من العبد هو الإفضال عليه ، والفيض لا بالمكان ، وقرب العبد من الله التحلية بالأوصاف الحسنة ، والاتصاف بالصفات الحقية مع الطهارة الكاملة من الأوساخ المعنوية ، والدنو هو القرب بالذات ، أو الحكم (نسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم) ، أي : من هؤلاء المصلين بالأوصاف المذكورة (وأن يعيذنا) ، أي : يحفظنا (من عقوبة من تزينت) في الظاهر (أقواله ، وقبحت) في الباطن (أفعاله) ، فهو كلابس ثوبي زور ، قد أخلده في أرض غفلته الغرور (إنه الكريم المنان) الكثير المنة (القديم الإحسان) ، أي : الدائمه (وصلى الله على كل عبد مصطفى) ، وسلم . وسقطت الجملة الأخيرة من بعض النسخ . وصلى الله على سيدنا محمد ، وآله وصحبه وسلم .




الخدمات العلمية