الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
واعلم أن الصلاة قد يحسب بعضها ، ويكتب بعضها دون بعض كما دلت الأخبار عليه وإن كان الفقيه يقول : إن الصلاة في الصحة لا تتجزأ ولكن ذلك له معنى آخر ذكرناه وهذا المعنى دلت عليه الأحاديث إذ ورد جبر نقصان الفرائض بالنوافل وفي الخبر قال عيسى عليه السلام يقول الله تعالى : بالفرائض نجا مني عبدي ، وبالنوافل تقرب إلي عبدي وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " قال الله تعالى : لا ينجو مني عبدي إلا بأداء ما افترضته عليه وروي " أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة فترك من قراءتها آية فلما انفتل قال : ماذا قرأت ؟ فسكت القوم فسأل أبي بن كعب رضي الله عنه فقال : قرأت سورة كذا ، وتركت آية كذا ، فما ندري أنسخت أم رفعت ؟ فقال أنت لها يا أبي ، ثم أقبل على الآخرين ، فقال : ما بال أقوام يحضرون صلاتهم ، ويتمون صفوفهم ، ونبيهم بين أيديهم لا يدرون ما يتلو عليهم من كتاب ربهم ألا إن بني إسرائيل كذا فعلوا فأوحى الله عز وجل إلى نبيهم أن قل لقومك : تحضروني أبدانكم ، وتعطوني ألسنتكم ، وتغيبون عني بقلوبكم باطل ما تذهبون إليه .

التالي السابق


(واعلم أن الصلاة قد يحسب بعضها دون بعض ، ويكتب بعضها دون بعض كما دلت الأخبار على ذلك) تقدم بعضها ؛ مما يدل على أنه لا يقبل من الصلاة إلا ما قارنه الخشوع ، والإخبات ، والإنابة (وإن كان الفقيه يقول : إن الصلاة في الصحة لا تتجزأ) ، ولا تتبعض (ولكن ذلك) صحيح ، و (له معنى آخر ذكرناه) آنفا (وهذا المعنى الذي دلت عليه الأحاديث) الواردة (إذ) قد (ورد جبر نقصان الفرائض بالنوافل) ، كما في القوت : "أول ما يحاسب به العبد الصلاة ، فإن وجدت كاملة ، وإلا يقول الله تعالى : انظروا لعبدي نوافل فتتم به فرائضه من نوافله " ، ثم يعمل بسائر الفرائض كذلك ، يوفى كل فرض في جنسه من النوافل ، وقال العراقي : أخرجه أصحاب السنن ، والحاكم ، وصححه من حديث أبي هريرة : "إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته " ، وفيه : "فإن انتقص من فريضته شيئا قال الرب - عز وجل - : انظروا لعبدي هل من تطوع ؟ فيكمل بها ما انتقص من الفريضة " . أهـ .

قلت : وأخرج أحمد ، وأبو داود ، وابن ماجه ، والحاكم من حديث تميم الداري رفعه : "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته ، فإن كان أتمها كتبت

[ ص: 170 ] له تامة ، وإن لم يكن أتمها قال الله لملائكته : انظروا هل تجدون لعبدي من تطوع فتكملون به فريضته ؟ ثم الزكاة كذلك ، ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك "
.

وأخرج الحاكم في الكنى عن ابن عمر : "أول ما افترض الله على أمتي الصلوات الخمس ، وأول ما يرفع من أعمالهم الصلوات الخمس ، فمن كان ضيع شيئا منها يقول الله - تبارك وتعالى - : انظروا هل تجدون لعبدي نافلة من صلاة تتمون بها ما نقص من الفريضة ؟ " الحديث .

وأخرج الطبراني في الكبير من حديث عبد الله بن قرط رفعه : "من صلى صلاة لم يتمها زيد عليها من سبحاته حتى تتم " ، وفي القوت : قيل : إن الصلوات الخمس يلفق بعضها إلى بعض حتى يتم بها للعبد صلاة واحدة ، وقيل : من الناس من يصلي خمسين صلاة فتكمل له بها خمس صلوات ، وإن الله تعالى ليستوفي من العبد ما أمره كما فرضه عليه ، وإلا تممه من سائر أعماله النوافل ؛ لأنه ما فرض على العبد إلا ما يطيقه بقوته ؛ إذ لم يكلفه ما لا طاقة له به .

(وقال عيسى - عليه السلام - يقول الله تعالى : بالفرائض نجا مني عبدي ، وبالنوافل تقرب إلي عبدي) . هكذا رواه صاحب القوت ، ولفظه ، وروينا عن عيسى - عليه السلام - فذكره ، وله شاهد في حديث أبي هريرة في الصحيح : "وما تقرب إلي عبدي بشيء أفضل من أداء ما افترضته عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه " الحديث .

(وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "قال الله - عز وجل - : لا ينجو مني عبدي إلا بأداء ما افترضت عليه " ) قال العراقي : لم أجده . أهـ .

وأورده صاحب القوت بلفظ : وقد روينا مثل قول عيسى - عليه السلام - عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - يقول الله - عز وجل - : فساقه (ويروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة فترك من قراءته) في صلاته (آية) ، وفي بعض النسخ : من قراءتها (فلما) انتقل منها ؛ أي : انصرف (قال : ماذا قرأت ؟ فسكت القوم) ، ولم يردوا شيئا (فسأل أبي بن كعب رضي الله عنه) ، وكان مع القوم من جملة المصلين (فقال : قرأت سورة كذا ، وتركت آية كذا ، فما أدري أنسخت أم رفعت ؟) ، وفي بعض النسخ : أنسيت أم رفعت (فقال) له : (أنت لها يا أبي ، ثم أقبل على الآخرين ، فقال : ما بال أقوام يحضرون صلاتهم ، ويتمون صفوفهم ، ونبيهم بين أيديهم لا يدرون ما يتلو عليهم من كتاب ربهم ألا إن بني إسرائيل كذا فعلوا فأوحى الله تعالى إلى نبيهم أن قل لقومك : تحضروني أبدانكم ، وتعطوني ألسنتكم ، وتغيبون عني قلوبكم باطل ما تذهبون) . هكذا أورده صاحب القوت بطوله ، وقال العراقي : أخرجه محمد بن نصر في كتاب الصلاة مرسلا ، وأبو منصور الديلمي من حديث أبي بن كعب ، والنسائي مختصرا من حديث عبد الرحمن بن أبزى بإسناد صحيح . أهـ .

وفي العوارف قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنكارا على أهل الوسوسة : "هكذا خرجت عظمة الله تعالى من قلوب بني إسرائيل حتى شهدت أبدانهم ، وغابت قلوبهم . لا يقبل الله صلاة امرئ لا يشهد فيها قلبه ، كما يشهد بدنه ، فإن الرجل على صلاته دائم ، ولا يكتب له عشرها إذا كان قلبه ساهيا لاهيا " . أهـ .




الخدمات العلمية