الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وكذا الطهارة ظاهرا عن الحدث ، والخبث فإنه لا يطلع عليه ، سواه فإن تذكر في أثناء صلاته حدثا ، أو خرج منه ريح فلا ينبغي أن يستحي بل يأخذ ؛ بيد من يقرب منه ويستخلفه ، فقد تذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنابة في أثناء الصلاة فاستخلف واغتسل ، ثم رجع ودخل ، في الصلاة وقال سفيان صل خلف كل بر وفاجر إلا مدمن خمر أو معلن بالفسوق أو عاق لوالديه ، أو صاحب بدعة أو عبد آبق .

التالي السابق


(وكذا الطهارة ظاهرا عن الحدث ، والخبث) تقدم بيانهما في أول الكتاب (فإنه لا يطلع على ذلك) ، أي : على اتصافه بأحدهما (منه أحد ، سواه) ، فإن لم يكن مأمونا فيه أفسد على الناس صلاتهم (فإن تذكر في أثناء صلاته حدثا ، أو خرج منه ريح ) حالا (فلا ينبغي أن يستحي ؛ بل ليأخذ

[ ص: 179 ] بيد من يقرب منه ، وليستخلفه) ، ولفظ القوت : وإن حدثت عليه حادثة في الصلاة ، أو ذكر أنه على غير وضوء فزع ، واتقى الله تعالى ، وخرج من صلاته ، آخذا بيد أقرب الناس إليه فاستخلفه في صلاته (فقد تذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه جنب أثناء الصلاة) ، ولفظ القوت : وقد أصاب ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إمام الأئمة خرج من الصلاة ذكر أنه جنب . زاد المصنف على القوت : (فاستخلف ، ثم خرج) ، وهذه زيادة منكرة ، وإنما الذي في القوت بعد قوله : جنب (فاغتسل ، ثم رجع فدخل في الصلاة) ، وهكذا أخرجه أبو داود من حديث أبي بكرة بإسناد صحيح ، وليس فيه ذكر الاستخلاف ، وإنما قال : ثم أومأ إليهم أن مكانكم . نعم ، ورد الاستخلاف من فعل عمر ، وعلي ، وعند البخاري استخلاف عمر في قصة طعنه ، ثم قال صاحب القوت : فإن كان الحادثة في الصلاة فعل ذلك ، وإن كان ذكر أنه دخل في الصلاة على غير طهارة خرج ، ولم يستخلف ، وابتدأ القوم الصلاة .

(وقال سفيان) هو الثوري ، كما يفهم من إطلاقه ، ويحتمل أن يكون ابن عيينة (صل خلف كل بر وفاجر) ، فإن الصلاة خلف الفاجر صحيحة مع كراهة عند أبي حنيفة ، والشافعي ، وسبب الكراهة عدم اهتمامه بأمر دينه ، وقد يخل ببعض الواجبات .

وأخرج الدارقطني ، وابن حبان ، والبيهقي من حديث أبي هريرة صلوا خلف كل بر وفاجر ، وعلى كل بر وفاجر ، وجاهدوا مع كل بر وفاجر ، وطرقه كلها واهية ، وقال الحاكم : منكر .

وأخرج الدارقطني ، وابن عدي ، والطبراني ، وأبو نعيم في الحلية من حديث ابن عمر : "صلوا على من قال : لا إله إلا الله ، وصلوا خلف من قال : لا إله إلا الله " وطرقه كلها ضعيفة (إلا مدمن خمر) ، أي : المداوم على شربها (أو معلن بالفسوق) ، أي : مجاهر به (أو عاق لوالديه ، أو صاحب بدعة) ، أي : مرتكبها ، سواء أحدثها هو ، أو اتبع غيره فيها (أو عبد آبق) من سيده لا لإضرار ، فإن هؤلاء كلهم غير مرضيين عند الله تعالى ، وصلاتهم موقوفة بين السماء والأرض حتى يرجعوا ، أو يتوبوا ، ثم هذا الذي ذكره عن سفيان هو معتقد السلف ، فقد روي ذلك عن إمامنا الأعظم ، وأصحابه ، وعن بقية الفقهاء المشهورين ، وقد عقد اللالكائي بابا في كتاب السنة في ذكر معتقدات السلف ، وروى ذلك بأسانيده إليهم ، فقال في معتقد الثوري بسند إلى شعيب بن حرب حين سأله عن السنة ، فذكر له أشياء منها : يا شعيب لا ينفعك ما كتبت حتى ترى الصلاة خلف كل بر وفاجر ، قال شعيب : فقلت لسفيان : الصلاة كلها ؟ قال : لا ، ولكن صلاة الجمعة ، والعيدين ، صل خلف كل من أدركت ، وأما سائر ذلك ، فأنت مخير ، لا تصلي إلا خلف من تثق به ، وتعلم أنه من أهل السنة ، والجماعة ، وقال في معتقد ابن حنبل : وأمير المؤمنين البر والفاجر ، وصلاة الجمعة خلفه ، وخلف من ولي جائزة تامة ركعتين ، من أعادهما فهو مبتدع تارك للآثار ، مخالف للسنة ، ليس فيه من فضل الجمعة شيء ؛ إذ لم ير الصلاة خلف الأئمة من كانوا : برهم ، وفاجرهم ، والسنة أن تصلي معهم ركعتين ، وتدين بها تامة ، ولا يكن في صدرك من ذلك شك ، وقال في معتقد علي بن المديني بمثل هذا السياق سواء ، وقال في معتقد سهل بن عبد الله التستري : ولا يترك الجماعة خلف كل وال جار ، أو عدل ، وقد عرف من سياق هذه المعتقدات أن المراد بالصلاة في قوله : صلوا خلف فاجر وبر الجمعة ، خاصة إذا كان لا يتقدم للخطبة والصلاة إذ ذاك إلا الأمراء ، والولاة بأنفسهم ، ولما اشتغلوا بأنفسهم ناب عنهم من يصلي بالناس الجمعة ، فرجع الأمر إلى كل صلاة ، وأنها تجوز خلف الفاجر ، وفي قول سفيان : أو صاحب بدعة المراد به البدعة التي لا تكفر صاحبها ، وإلا لم تصح إمامته ، كما قدمناه ، والاقتداء بأهل الأهواء صحيحة ، إلا الجهمية ، والقدرية ، والروافض الغالية ، والخطابية ، ومن يقول بخلق القرآن ، والمشبهة ، ونحوهم ممن تكفره بدعته ، وقد روى محمد ، عن أبي حنيفة ، وأبي يوسف أن الصلاة خلف أهل الأهواء لا تجوز ، والصحيح أنها تجوز على الحكم الذي ذكرنا مع الكراهة .




الخدمات العلمية