الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الثانية في : المأموم ينبغي أن لا يساوي الإمام في الركوع ، والسجود بل يتأخر فلا يهوي للسجود إلا إذا وصلت جبهة الإمام إلى المسجد هكذا كان اقتداء الصحابة برسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يهوي للركوع حتى يستوي الإمام راكعا .

وقد قيل : إن الناس يخرجون من الصلاة على ثلاثة أقسام : طائفة بخمس وعشرين صلاة ، وهم الذين يكبرون ، ويركعون بعد الإمام وطائفة بصلاة واحدة وهم الذين يساوونه وطائفة بلا صلاة ، وهم الذين يسابقون الإمام .

وقد اختلف في أن الإمام في الركوع هل ينتظر لحوق من يدخل لينال فضل الجماعة وإدراكه ، لتلك الركعة ولعل الأولى أن ذلك مع الإخلاص لا بأس به إذا لم يظهر تفاوت ظاهر للحاضرين ، فإن حقهم مرعي في ترك التطويل عليهم .

التالي السابق


(الثانية : المأموم ينبغي أن لا يسابق الإمام في الركوع ، والسجود ) ؛ بل في سائر أفعاله الظاهرة (بل يتأخر) عنه (فلا يهوي للسجود إلا إذا وصلت جبهة الإمام إلى المسجد) ، أي : موضع السجود ، وفي بعض النسخ : أرض المسجد (هكذا كان اقتداء الصحابة برسول الله - صلى الله عليه وسلم) . أخرجه البخاري ، ومسلم من حديث البراء بن عازب (ولا يهوي للركوع حتى يستوي الإمام راكعا) ، ولفظ القوت : وعلى المأموم أن يكبر ، ويركع ، ويسجد بعد الإمام ، ولا يخرون سجدا حتى تقع جبهة الإمام على الأرض وهم قيام ، وهم يخرون بعد ذلك ، كذلك كانت صلاة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وراءه . أهـ .

والدليل على أن أفعال المأموم تكون متأخرة عن أفعال الإمام ما أخرجه الشيخان من حديث همام ، عن أبي هريرة رفعه : إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فلا تختلفوا عليه ، فإذا كبر فكبروا ، وإذا ركع فاركعوا ، وإذا قال : سمع الله لمن حمده قولوا : اللهم ربنا لك الحمد ، وإذا سجد فاسجدوا ، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون ، ووجه الدلالة منه أنه رتب فعله على فعل الإمام بالفاء المقتضية للترتيب والتعقيب ، ذكره ابن بطال ، وابن دقيق العيد في شرح العمدة .

قال العراقي : في شرح التقريب ، وفيه نظر ؛ فإن

[ ص: 205 ] الفاء المقتضية للتعقيب هي العاطفة . أما الواقعة في جواب الشرط ، فإنما هي للربط ، والظاهر أنه لا دلالة لها على التعقيب ، على أن في دلالتها على التعقيب مذهبين حكاهما الشيخ أبو حيان في شرح التسهيل ، ولعل أصلها أن الشرط متقدم عليه مع الجزاء ، وهذا يدل على أن التعقيب إن قلنا به ، فليس من الفاء ، وإنما هو من ضرورة ، وتقدم الشرط على الجزاء . والله أعلم .

(وقد قيل : إن الناس يخرجون من الصلاة على ثلاثة أقسام : طائفة) ، ولفظ القوت : قسم (بخمس وعشرين صلاة ، وهم) هؤلاء (الذين يكبرون ، ويركعون بعد ركوع الإمام) ، وفي نسخة : بعد الإمام ، ولفظ القوت : الذين يرفعون ، ويضعون بعده (وطائفة بصلاة واحدة) .

وفي القوت : وقسم بدل طائفة (وهم الذين يساوونه) ، ولفظ القوت : الذين يكبرون ، ويركعون ، ويسجدون معه مواصلة له ، ومبادرة (وطائفة) ثالثة يخرجون (بلا صلاة ، وهم الذين يسبقون الإمام) ، فإن سبقه من الكبائر ، ولفظ القوت : الذين يرفعون ، ويضعون قبله ، ويسابقونه (وقد اختلف في أن الإمام) ، وهو (في الركوع هل ينتظر لحوق من دخل) بأن سمع خفق نعله (لينال فضل جماعتهم ، وإدراكه لتلك الركعة) أم لا ؟ فيه تفصيل يأتي ذكره (ولعل الأولى أن ذلك مع الإخلاص لا بأس به إذا لم يظهر تفاوت ظاهر للحاضرين ، فإن حقهم مرعي في ترك التطويل عليهم) ، ولفظ القوت : وقد اختلف مذهب السلف في الإمام يكون راكعا فيسمع خفق النعال هل ينتظر في ركوعه حتى يدخل الداخل في الركعة أو لا ينتظر ؟ قال بعضهم : ينتظر حتى يدخلوا معه ، وممن اختار هذا الشعبي ، وقال آخرون : لا ينتظر ، فإن حرمة من دخل فيها وراءه أعظم من حرمة الداخل ، وممن قال بهذا : إبراهيم النخعي ، والذي عندي في هذا التوسط ينظر ، فإن سمع خفق النعال في أول ركوعه ، فلا بأس إن مده حتى يلحقوا بزيادة تسبيح ؛ لئلا يكون فارغا بعمل غير الصلاة ، فإن سمعه في آخر ركوعه عند رفع رأسه ، فما أحب أن يزيد في الصلاة لأجلهم ، وليرفع ، ولا يبالى بهم . أهـ .

قلت : وقول إبراهيم النخعي هو مذهب أبي حنيفة ، وأصحابه ، وقال النووي في الروضة : يستحب للإمام أن يخفف الصلاة من غير ترك الأبعاض ، والهيئات ، فإن رضي القوم بالتطويل ، وكانوا محصورين لا يدخل فيهم غيرهم ، فلا بأس بالتطويل ، ولو طول الإمام ، فله أحوال منها : أن يصلي في مسجد سوق ، أو محلة فيطول ليلحق آخرون يكثر بهم الجماعة ، فهذا مكروه ، ومنها أن يحس في صلاته بمجيء رجل يريد الاقتداء به ، فإن كان الإمام راكعا ، فهل ينتظره أم لا ؟ أصحهما أنه ينتظره بشرط أن لا يفحش التطويل ، وأن يكون المسبوق داخل المسجد حين الانتظار ، فإن كان خارجه لم ينتظره قطعا ، وبشرط أن يقصد به التقرب إلى الله تعالى ، فإن قصد التودد ، واستمالته لم ينتظر قطعا ، وهذا معنى قولهم : لا يميز بين داخل ، وداخل ، وقيل : إن عرف الداخل بعينه لم ينتظره ، وإلا انتظره ، وقيل : إن كان ملازما للجماعة انتظره ، وإلا فلا ، واختلفوا في كيفية القولين ، فقال معظم الأصحاب: ليس القولان في استحباب الانتظار ؛ بل أحدهما يكره ، وأظهرهما لا يكره ، وقيل : أحدهما يستحب ، والثاني لا يستحب ، وقيل : أحدهما يستحب ، والثاني يكره ، وقيل : لا ينتظر قولا واحدا ، وإنما القولان في الانتظار في القيام ، وقيل : إن لم يضر الانتظار بالمأمومين ، ولم يشق عليهم انتظر قطعا ، وإلا ففيه القولان ، وحيث قلنا : لا ينتظر ، فانتظر لم تبطل صلاته على المذهب ، وقيل : في بطلانها قولان ، ولو أحس بالداخل في التشهد الأخير ، فهو كالركوع ، وإن أحس به في سائر الأركان كالقيام ، والسجود ، وغيرهما لم ينتظره على المذهب الذي قطع به الجمهور ، وقيل : هو كالركوع ، وقيل : القيام كالركوع دون غيره ، وحيث قلنا : لا ينتظر ، ففي البطلان ما سبق .

قلت : المذهب أنه يستحب انتظاره في الركوع ، والتشهد الأخير بالشروط المذكورة ، ويكره في غيرهما . والله أعلم . أهـ كلام النووي .


(فصل)

قول المصنف وإدراكه لتلك الركعة يشير به إلى ما هو المشهور في المذهب أن من أدرك الإمام في الركوع كان مدركا للركعة ، وهو مذهب أصحابنا ، وحكى النووي عن بعض أئمة الشافعية - كمحمد بن إسحاق بن خزيمة ، وأبي بكر الصيفي - أنه لا تدرك الركعة بإدراك الركوع قال : وهذا شاذ منكر ، والصحيح

[ ص: 206 ] الذي عليه الناس ، وأطبق عليه الأئمة إدراكها ، لكن يشترط أن يكون ذلك الركوع محسوبا للإمام ، فإن لم يكن ، ففيه تفصيل يذكر في الجمعة إن شاء الله تعالى ، ثم المراد بإدراك الركوع أن يلتقي هو وإمامه في حد أقل الركوع حتى لو كان في الهوي ، والإمام في الارتفاع ، وقد بلغ به حد الأقل قبل أن يرتفع الإمام عنه كان مدركا ، وإن لم يلتقيا فيه فلا . هكذا قاله جميع الأصحاب ، ويشترط أن يطمئن قبل ارتفاع الإمام عن الحد المعتبر . هكذا صرح به في البيان ، وبه أشعر كلام كثير من النقلة ، وهو الوجه ، وإن كان الأكثرون لم يتعرضوا له ، ولو كبر وانحنى ، وشك هل بلغ الحد المعتبر قبل ارتفاع الإمام عنه ، فوجهان ، وقيل : قولان أصحهما لا يكون مدركا ، والثاني يكون ، فأما إذا أدركه فيما بعد الركوع ، فلا يكون مدركا للركعة قطعا ، وعليه أن يتابعه في الركن الذي أدركه فيه ، وإن لم يحسب له .

قلت : وإذا أدركه في التشهد الأخير لزمه متابعته في الجلوس ، ولا يلزمه أن يتشهد معه قطعا ، ويسن له ذلك على الصحيح المنصوص . والله أعلم .




الخدمات العلمية