الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الرابع : البكور إلى الجامع ويستحب أن يقصد الجامع من فرسخين وثلاث ، وليبكر ويدخل وقت البكور بطلوع الفجر .

التالي السابق


(الرابعة: البكور إلى) المسجد (الجامع من فرسخين وثلاثة، وليبكر) اعلم أن الفرسخ ثلاثة أميال بالهاشمي، والفرسخان ستة أميال، والميل مقدر بخمس وعشرين غلوة، وقيل: أكثر، وقد عقد ابن أبي شيبة في المصنف بابا في كم تؤتى الجمعة، فروى عن شريك، عن سعيد بن مسروق، عن إبراهيم قال: تؤتى الجمعة من فرسخين، وعن وكيع وعن أبي البختري قال: رأيت أن أشهد الجمعة من الزاوية، وهي فرسخان من البصرة. وعن وكيع، وسفيان، عن أبي عبد الرحمن قال: كنا نأتيها من فرسخين. وعن أبي داود الطيالسي، عن أيوب بن عتبة، عن يحيى، عن أبي هريرة قال: تؤتى الجمعة من فرسخين، ثم روي عن عكرمة قال: تؤتى الجمعة من أربعة فراسخ، وعن هشام بن عروة قال: كان أبي، يكون سير عروة ثلاثة أميال من المدينة، فلا يشهد جمعة، ولا جماعة. وروي عن غندر، عن شعبة قال: سألت حمادا عن الرجل يجمع من فرسخين قال: لا. وروي عن حوشب بن عقيل العبدي قال: سألت عطاء من كم تؤتى الجمعة؟ قال: من سبعة أميال، وروي عن عبد الحميد بن جعفر، أن عبد الله بن رواحة كان يأتي الجمعة ماشيا. قال: وكان بينه وبين الجمعة ميلان، وهذه أقوال كلها متعارضة، وسبق اختلاف الأئمة من كم تؤتى الجمعة، وذكرنا هناك أن المعتبر عند أصحابنا فرسخ، وعليه الفتوى، فينبغي أن يكون قصد المسجد الجامع من هذه المسافة أو قدرها، زادت قليلا أو نقصت، ثم إن التبكير إلى المسجد لقصد صلاة الجمعة استحبه الثوري، وأبو حنيفة، وأصحابه، والشافعي، وأكثر أصحابه، وأحمد بن حنبل، والأوزاعي، وابن حبيب من المالكية، والجمهور .

واختلف القائلون متى (يدخل وقت البكور) ، فقيل: من طلوع الشمس؛ لأنه أول النهار عند أهل الحساب، واللغة، وصححه الماوردي من الشافعية، فيكون ما قبل ذلك من طلوع الفجر زمان غسل، وتأهب. قال ابن الرفعة: ويؤذن به قول الشافعي - رحمه الله -، ويجزئه غسله لها إذا كان بعد الفجر. قال العراقي نقلا عن والده: أهل علم الميقات يجعلون ابتداء ساعات النهار من طلوع الشمس، ويجعلون ما بين طلوع الفجر والشمس- من حساب الليل، واستواء الليل عندهم إذا تساوى ما بين غروب الشمس، وطلوعها، وما بين طلوعها، وغروبها، والأصح في مذهب أبي حنيفة والشافعي أن وقته يدخل (بطلوع الفجر) الثاني؛ لأنه أول اليوم شرعا، ومنه يجب الإمساك للصائم، وعليه تترتب الأحكام الشرعية. قال العراقي عن والده: ولكن ليس العمل عليه في أمصار الإسلام قديما وحديثا أن يبكر للجمعة من طلوع الفجر، وفيه طول يؤدي إلى انتقاض الطهارة، وتخطي الرقاب. اهـ، وذهب مالك وأكثر أصحابه إلى أن الأفضل تأخير الذهاب إلى الجمعة إلى الزوال، وقال به من أصحاب الشافعي القاضي حسين، وإمام الحرمين، ولأصحاب الشافعي وجه رابع، أن التبكير للجمعة من ارتفاع النهار، حكاه الصيدلاني في شرح المختصر، وزعم قائله أن هذا وقت التهجير، وسيأتي الكلام على ذلك قريبا .




الخدمات العلمية