الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ومن الطرق القريبة من التحقيق لمن أحسن مراعاته أن يلاحظ القطب الشمالي بالليل ويضع على الأرض لوحا مربعا وضعا مستويا بحيث يكون أحد أضلاعه من جانب القطب ، بحيث لو توهمت سقوط حجر من القطب إلى الأرض ، ثم توهمت خطا من مسقط الحجر إلى الضلع الذي يليه من اللوح لقام الخط على الضلع على زاويتين قائمتين أي لا يكون الخط مائلا إلى أحد الضلعين ، ثم تنصب عمودا على اللوح نصبا مستويا في موضع علامة ، وهو بإزاء القطب فيقع ظله على اللوح في أول النهار مائلا إلى جهة المغرب في صوب خط أ ثم لا يزال يميل إلى أن ينطبق على خط ب ، بحيث لو مد رأسه لانتهى على الاستقامة إلى مسقط الحجر ويكون موازيا للضلع الشرقي والغربي غير مائل إلى أحدهما فإذا بطل ميله إلى الجانب الغربي ، فالشمس في منتهى الارتفاع ، فإذا انحرف الظل عن الخط الذي على اللوح إلى جانب الشرق ، فقد زالت الشمس .

وهذا يدرك بالحس تحقيقا في وقت هو قريب من أول الزوال في علم الله تعالى ثم يعلم على رأس الظل عند انحرافه علامة فإذا صار الظل من تلك العلامة مثل العمود دخل وقت العصر فهذا القدر لا بأس بمعرفته في علم الزوال وهذه صورته .

التالي السابق


( ومن الطرق القريبة من التحقيق لمن أحسن مراعاته أن يلاحظ القطب الشمالي بالليل) وهو الذي يلي الجدي وليس بكوكب، بل هو نقطة من الفلك ( ويضع على الأرض لوحا مربعا وضعا مستويا بحيث يكون أحد أضلاعه من جانب القطب، بحيث لو توهمت سقوط حجر من القطب إلى الأرض، ثم توهمت خطأ من مسقط الحجر إلى الضلع الذي يليه من اللوح لقام الخط على الضلع على زاويتين قائمتين أي لا يكون الخط مائلا إلى أحد الضلعين، ثم تنصب عودا) ، وفي نسخة: عمودا، ( على اللوح نصبا مستويا في موضع علامة، وهو بإزاء القطب فيقع ظله) على اللوح ( في أول النهار مائلا إلى جهة المغرب في صوب الخط ثم لا يزال) الظل ( يميل إلى أن ينطبق على الخط، بحيث لو قدر مد رأسه لانتهى على الاستقامة إلى مسقط الحجر) المفروض، ( ويكون موازيا) أي مقابلا ( للضلع الشرقي والغربي) من المربع ( غير مائل إلى أحدهما) أي الضلعين، ( فإذا بطل ميله إلى الجانب الغربي، فالشمس في منتهى الارتفاع، فإذا انحرف) الظل عن الخط الذي هو ( على اللوح إلى جانب الشرق، فقد زالت الشمس) ، وهكذا ذكره الدينوري في كتاب الزوال، ومحمد بن شجاع الثلجي من أصحابنا، وقاضي زاده الرومي في شرح الملخص للجغميني أورده نحوا منه، وتلاه صدر الشريعة عبيد الله بن مسعود في شرح الوقاية على ما يذكر فيما بعد، ( وهذا يدرك بالحس تحقيقا في وقت هو قريب من أول الزوال في علم الله تعالى) مما يعلمه أهل العلم به، ( ثم تعلم برأس الظل) ، وفي نسخة على رأس الظل ( عند انحرافه علامة فإذا صار الظل من تلك العلامة مثل العمود القائم دخل وقت العصر) ، وهو أيضا آخر وقت الظهر، ( فهذا القدر) من علم الهيئة ( لا بأس بمعرفته) للمريد ( في علم الزوال) ، وكذلك ما يستعين به على معرفة القبلة، وما زاد عن ذلك فهو علم لأهله، لكن المريد في طريق الآخرة في غنى عنه ( وهذه صورته) هكذا

هكذا وجد رسم هذا اللوح في نسخة صحيحة بخط الشيخ شمس الدين الحريري، ووقع في نسخ كثيرة من هذا الكتاب تفاوت في رسمه على أنحاء مختلفة، والتعويل على ما رسم ههنا، وقال صدر الشريعة: طريقة معرفة ظل الزوال وفيئه أن يسوي الأرض بحيث لا يكون بعض جوانبها مرتفعا ومنخفضا، إما بصب الماء، أو بنصب موازين المتقنين، وترسم عليها دائرة، وتسمى بالدائرة الهندية، وينصب في مركزها مقياس قائم بأن يكون بعد رأسه عن ثلاث نقط من محيط الدائرة متساويا، لكن قامته بمقدار ربع قطر الدائرة، فرأس ظله في أوائل النهار خارج الدائرة، ولا شك أن الظل ينقص إلى أن يدخل في الدائرة فتضع علامة على مدخل الظل من محيط الدائرة، ولا شك أن الظل ينقص إلى حدها، ثم يزيد إلى أن ينتهي إلى محيط الدائرة، ثم يخرج، وذلك بعد نصف النهار، فتضع علامة على مخرج الظل فتنصف القوس التي بين مدخل الظل ومخرجه، وترسم خطا مستقيما من منتصف القوس إلى مركز الدائرة مخرجا من الطرف الآخر إلى المحيط، فهذا الخط هو خط نصف النهار، فإذا كان ظل المقياس على هذا الخط فهو نصف النهار والظل [ ص: 345 ] الذي في هذا الوقت هو فيء الزوال. وهذه صورة الدائرة كما رسمها بعض المتقنين في هذا الفن

وقوله: وينصب في مركزها مقياس؛ أي: مخروطي، وهو جسم محيط به، ودائرة، وهي قاعدته، وسطح مستدير يرتفع من محيط هذه الدائرة، وينتهي إلى نقطة رأس المخروط، وقوله: عن ثلاث نقط، إنما اشترط ذلك؛ لأن التربيع لا يستقيم في نصف المدور، وإنما يشترط أن يكون بعد رأس المقياس مساويا لثلاث جوانبه، وقوله: لكن قامته أي قامة المقياس بمقدار ربع الدائرة، وهو الخط المنصف للدائرة، وهو المسمى بخط الاستواء، وسيأتي فيه كلام، وقال قاضي زاده في شرح الملخص في الكلام على معرفة خط نصف النهار وخط الاعتدال: تسوى الأرض غاية التسوية بحيث لو صب فيها ماء لسال من جميع الجهات بالسوية، أو وضع عليها مترجرج كالزئبق أو متدحرج كالبندقة وقف عليها مرتعدا مهتزا، وذلك بأن يدار عليها مسطرة مصححة الوجه مع ثبات وسطها بحث تماسها في جميع الدورة، ثم توزن بمثلث للنجارين يعلقون الشاقول منه بأن يوضع قاعدته عليها، ويسوى ما ارتفع وما انخفض من الأرض، إلى أن يصير بحيث لو دارت القاعدة على جميعها لا يميل خيط الشاقول عن عمود المثلث، وهو خط يخرج من رأسه إلى قاعدته عمودا عليها، فوجه هذه الأرض هو السطح الموزون، وقد يوزن السطح على رخام أو غيره، فحينئذ يجب إثباته لئلا يتغير حد وضعه ووزنه، ثم يدار فيها دائرة بأي بعد كان بشرط أن لا تبلغ إلى أطراف الموزون، بل يكون بينها وبين محيطها أكثر من أصبع، وتسمى هذه الدائرة الهندية، وينصب على مركزها مقياس مخروط معتدل في الرقة والغلظ، طوله ربع قطرها، هكذا جرت العادة، وأما الواجب فيه فهو أن يكون بحيث يكون ظله أقصر من نصف قطر الدائرة قصورا صالحا نصبا على زوايا قائمة؛ بحيث يكون مركز قاعدته منطبقا على مركزها، ويعرف ذلك بتساوي البعد بين محيطيهما في جميع الجهات، وطريقه أن ترسم دائرة أخرى على مركز الهندية مساوية لمحيط القاعدة، وينطبق محيطها على محيط تلك الدائرة، ويعرف كونه على زوايا قائمة؛ إما بالشاقول وهو خيط يشد بأحد طرفيه ثقيل، وذلك بأن يكون بعد خيطه من رأس المقياس في جميع الجوانب واحدا، إما بحيث يماس قاعدته، وإما بأن يقدر ما بين رأس المقياس والمحيط بمقدار واحد من ثلاث نقط من المحيط وترصد رأس الظل عند وصوله إلى محيطها للدخول فيها مما يلي المغرب قبل الزوال وبعده للخروج عنها مما يلي المشرق، وينصف رأس عرض الظل في موضع الوصول، فإن نقطة الوصول من [ ص: 346 ] المحيط هو هذا المنتصف، وتعلم على كلتي نقطتي الوصول وتنصف القوس التي بينهما من أي جهة كانت، وتخرج من منتصفها خطا مستقيما يمر بالمركز إلى أي بعد شئت فهو خط نصف النهار، ويسمى خط الزوال أيضا، وقد قطع ذلك الخط الدائرة بنصفين بمروره بمركزها، فتخرج من منتصفي النصفين خطا يقطع خط نصف النهار عند المركز على زوايا قائمة؛ إذ مقدار كل منها ربع المحيط، وهو خط المشرق والمغرب المسمى بخط الاعتدال أيضا، فتنقسم الدائرة بهذين الخطين أربعة أقسام، ثم يقسم كل منها بستين جزءا للاحتياج إليها في بعض الأعمال .

واعلم أن لاستخراج هذين الخطين مسالك أخر إلا أن الأشهر هو المسلك المذكور، ولا شك أنه مبني على كفاء الشمس حين وصول رأس الظل إلى محيط الدائرة قبل الزوال، وبعده على مدار واحد من المدارات اليومية الموازية لمعدل النهار، وليس كذلك في الحقيقة، فإذا ينبغي أن يراعى عدة أمور ليقرب العمل من التحقيق، كأن تكون الشمس في الانقلاب الصيفي، أو قريبا منه لبطء حركة الميل المخل بالموازاة هنالك، وكون الظل أبين في الصيف لصفاء الهواء، وشدة الشعاع وقلة عوارض الجو المانعة من أخذ الظل، وأن لا تكون قريبة من الأفق؛ إذ لا يتحقق أطراف الظل عند ذلك لتشتتها ولا من نصف النهار لبطء تقلص الظل وانبساطه عنده، فلا يتعين وقت الوصول والخروج، فإذا روعي هذه الشرائط تتحفظ الموازاة بقدر الإمكان ويتبين الظل من تشتت طرفه وبطء حركته، وهذه صورتها .

السمت في جانب المشرق



ا هـ نص قاضي زاده في شرح الملخص، وقد نازع بعض أصحابنا من أهل العصر قوله: وطوله، أي المقياس، ربع قطرها بما نصه: هذا الحكم ليس بكلي بل حكمه جار في العروض الشمالية؛ وذلك إذا كانت الشمس في مدار السرطان، وأما إذا كانت في مدار الجدي فيجري حكمه إلى عرض لط فقط، ثم في عرض أربعين لا يكون مدخل الظل ولا المخرج، بل يماس المحيط؛ لأن ظل الغاية ضعف المقياس، فهذا أول عرض يتفق ذلك، فكلما زاد العرض على لط يجب أن يكون طول المقياس أقصر قصورا صالحا مثلا في عرض ما إذا كانت الشمس في أول الجدي يكون ظل الغاية هناك خمسة وعشرين درجة، فلا يكون مدخل الظل، بل يبقى خارج الدائرة قدر جزء من أجزاء القامة، فيجب أن يكون طوله أقصر من ربع القطر، ولو [ ص: 347 ] قدر جزء من أجزائها، وفي عرض مج إذا كانت الشمس في رأس الجدي يكون ظل الغاية ستة وثلاثين درجة، وهي ثلاث قامات، فيجب أن يكون طوله أقصر من سدس القطر حتى يكون مدخل الظل؛ لأنه إن كان طوله قدر سدس القطر فلا مدخل ولا مخرج، بل يماس المحيط، وفي عرض نه يكون ظل الغاية ستة وأربعين درجة، فيجب أن يكون طوله مقدار ثمن قطر الدائرة وفي عرض ند يكون ظل الغاية أربع قامات ونصفا، فيجب أن يكون طوله مقدار عشر القطر، وفي عرض تمام الميل الكلي إذا كانت الشمس في رأس الجدي لا يطلع شيء من مداره بل يكون أبدي الخفاء، فهذا آخر عرض يتعذر فيه العمل؛ لأنه لو فرض أن غاية الارتفاع درجة واحدة لكان ظلها الغاية أربعة وخمسين قامة ونصف قامة، والحال أنه ليس كذلك. اهـ .



( تنبيه) :

قد ذكر الشيخ عبد العلي بن محمد البر جندي في حاشيته على شرح الملخص المذكور مسالك لاستخراج هذين الخطين، منها أن يخرج من قاعدة المقياس خط مستقيم على استقامة الظل قبل نصف النهار، ويؤخذ الارتفاع في تلك الحالة، ثم ينظر بعد نصف النهار إذا صار الارتفاع مثل الارتفاع الأول، يخرج من قاعدة القياس خط آخر على استقامة الظل، فيحصل في الأغلب زاوية بنصف تلك الزاوية، فالخط المنصف هو خط نصف النهار، ومنها أنه يرصد الظل للمقياس قبل نصف النهار ويعمل على رأسه علامة، ثم يرصد الظل بعد نصف النهار إلى أن يصير مثل الظل الأول، ويعلم على رأسه علامة، ويوصل بين العلامتين بخط مستقيم، ويقام على ذلك الخط عمود، فهو خط نصف النهار، ومنها أن يخط في امتداد ظل المقياس عند طلوع الشمس نصف النهار، فلو كانت الشمس في اعتدال كان من الخطين خط المشرق وخط المغرب، والعمود الواقع عليه يكون خط نصف النهار أن يرصد قبل نصف النهار ظل المقياس لحظة لحظة هو متناقص لا محالة، ويعلم على رأس الأظلال علامات متقاربة؛ حتى يأخذ الظل في الزيادة ثم يوصل بين أقرب العلامات ومركز القاعدة بخط مستقيم، فهو خط نصف النهار، ثم ذكر مسلكين آخرين تركت ذكرهما روما للاختصار .

وقد ذكر قاضي خان في فتاواه طريقا في معرفة زوال الشمس وفي الزوال أسهل مما ذكره المصنف والجماعة، قال: أن تغرز خشبة في أرض مستوية فما دام الظل في الانتقاص فالشمس في حد الارتفاع، فإذا أخذ الظل في الازدياد علم أن الشمس قد زالت فاجعل على رأس الظل علامة، فمن موضع العلامة إلى الخشبة يكون فيء الزوال .

ونقل عن محمد بن الحسن طريقة أخرى هو أن يقوم الرجل مستقبل القبلة فما دام الشمس على حاجبه الأيسر فالشمس لم تزل، فإذا صارت الشمس على حاجبه الأيمن علم أن الشمس قد زالت .

وقال صاحب القوت: وفصل الخطاب أن معرفة الزوال بهذا التحديد ليس بفرض، ولكن صلاة الظهر بعد يقين زوال الشمس فرض، فمتى زالت الشمس بمبلغ عملك ويقين قلبك ومنظر عينيك فكانت الشمس على حاجبك الأيمن في الصيف إذا استقبلت القبلة فقد زالت شك فيه، فصل إلى أن يكون ظل كل شيء مثله، فهذا آخر وقت الظهر، وأول وقت العصر، ثم صل العصر إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه، فهذا وقت الضرورات، وهو مكروه إلا لمريض أو معذور، فإذا كانت الشمس على حاجبك الأيسر وأنت مستقبل القبلة في الصيف، فإن الشمس لم تزل في مبلغ عملك ومنظر عينك، فإذا كانت بين عينيك فهو استواؤها في كبد السماء نظر عينك ويصلح أن تكون قد زالت لقصر النهار، وفي أول الشتاء، وقد لا تكون زالت إذا طال النهار ووسط الصيف، فإذا صارت إلى حاجبك الأمين فقد زالت في أي وقت كان، ثم إن هذا يختلف باختلاف الأزمان، وهذا التقدير إنما هو لأهل إقليم العراق وخراسان، وهم يصلون إلى الركن الأسود وتلقاء الباب من وجه الكعبة، فأما إقليم المغرب واليمن فإن تقديرهم على ضد ذلك، وقبلتهم إلى الركن اليماني، وإلى مؤخر الكعبة؛ فلذلك اختلف التقدير وتضاد لاختلاف التوجه إلى شطر البيت، وتفاوت الأمصار في الأقاليم المستديرة حوله .



ومن أشكل عليه الوقت لجهل بالأدلة أو لغيم اعترض فليتحر بقلبه ويجتهد بعلمه، ولا يصل صلاة إلا بعد يقين دخول وقتها، وإن تأخر ذلك فهو أفضل حينئذ، فإن أداء الفرائض بعد دخول الوقت على [ ص: 348 ] اليقين أفضل من أدائها في الوقت على الشك، ومن صلى وهو يرى أنه الوقت أو توجه إلى القبلة فيما يعلم، ثم تبين له بعد أنه صلى قبل الوقت أو صلى لغير القبلة، نظر فإن كان في الوقت أو بعده قليلا أعاد الصلاة احتياطا، وإن كان الوقت قد خرج فلا شيء عليه، وهو المعفو الخطأ، وأحب إلي أن يعيد تلك الصلاة متى ذكرها، والله أعلم. اه. كلام القوت .



( فصل)

وقال أصحابنا: وقت الظهر من زوال الشمس من بطن السماء بالاتفاق، ويمتد إلى وقت العصر، وقد اختلف فيه؛ روي عن الإمام فيه روايتان:

إحداهما إلى قبيل أن يصير ظل كل شيء مثليه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "أبردوا بالظهر؛ فإن شدة الحر من فيح جهنم، وأشد الحر في الحجاز إذا صار ظل كل شيء مثله". وهذا معارض بحديث الإمامة في اليوم الأول حين صار ظل كل شيء مثله؛ فإن حديث الإمامة دل على خروج وقت الظهر وحديث الإبراد دل على عدم خروجه، وإذا تعارضت الآثار لا يخرج الوقت الثابت بيقين بالشك، وهي رواية محمد في الأصل، وهو الصحيح كما في البدائع والعناية والمحيط والينابيع، وعليه جل المتون .

والثانية رواية الحسن بن زياد عن الإمام أنه يمتد وقت الظهر من الزوال إلى أن يصير ظل كل شيء مثله، ويستثنى على الروايتين جميعا فيء الزوال وهو ظل الاستواء؛ لأنه قد يكون مثلا في بعض المواضع في الشتاء، وقد يكون مثلين، فلو اعتبر المثل من ذي الظل لما وجد الظهر على الروايتين، ثم هذا في المواضع التي لا تسامت الشمس رؤوس أهلها؛ ولذا قال صاحب البحر: إن لكل شيء ظلا وقت الزوال إلا بمكة والمدينة في أطول أيام السنة؛ لأن الشمس فيهما تأخذ الحيطان الأربعة، والثاني هو قول الصاحبين، وهو اختيار أبي جعفر الطحاوي، ورجح الشيخ قاسم بن قطلوبغا قول الإمام في تصحيح القدوري، وذكر قاضي خان في فتاواه: إذا خالف الإمام صاحباه، فالعمل على قوله لا على قولهما كما اختاره عبد الله بن المبارك إلا في مسائل يسيرة كالمزارعة والمعاملة لضرورة تعامل الناس .

وقال صاحب معراج الدراية: الأخذ بالاحتياط في باب العبادات أولى؛ إذ هو وقت العصر بالاتفاق، فيكون أجود في الدين لثبوت براءة الذمة بيقين؛ إذ تقديم الصلاة على الوقت لا يجوز بالاتفاق، ويجوز التأخير، وإن وقعت قضاء، وهذا على ظاهر الرواية .

أما على رواية أسد وعلي بن الجعد إذا خرج وقت الظهر بصيرورة الظل مثله لا يدخل وقت العصر حتى يصير ظل كل شيء مثله، فكان بينهما وقت مهمل، فالاحتياط أن يصلي الظهر قبل أن يصير الظل مثله، والعصر بعد أن يصير مثليه؛ ليكون مؤديا بالاتفاق .

وأول وقت العصر من ابتداء الزيادة على المثل أو المثلين إلى غروب الشمس على المشهور .

وقال الحسن بن زياد: إذا اصفرت الشمس خرج وقت العصر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "وقت صلاة العصر ما لم تصفر الشمس".

والجواب أنه منسوخ بحديث الصحيحين: "من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر". أو هو محمول على وقت الاختيار، والله أعلم .




الخدمات العلمية