الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ومنها التجسس وتتبع عورات الناس وقد قال تعالى : ولا تجسسوا والمناظر لا ينفك عن طلب عثرات أقرانه وتتبع عورات خصومه حتى إنه ليخبر بورود مناظر إلى بلده فيطلب من يخبر بواطن أحواله ويستخرج بالسؤال مقابحه حتى يعدها ذخيرة لنفسه في إفضاحه وتخجيله إذا مست إليه حاجة حتى إنه ليستكشف عن أحوال صباه وعن عيوب بدنه فعساه يعثر على هفوة أو على عيب به من قرع أو غيره ثم إذا أحس بأدنى غلبة من جهته عرض به إن كان متماسكا ويستحسن ذلك منه ويعد من لطائف التسبب ولا يمتنع عن الإفصاح به إن كان متبجحا بالسفاهة والاستهزاء كما حكي عن قوم من أكابر المناظرين المعدودين من فحولهم .

التالي السابق


(ومنها) أي: ومن آفات المناظرة (التجسس) وهو التعبير عن بواطن الأمور وأكثر ما يقال في الشر، ولذلك يقال الجاسوس لصاحب سر الشر (و) قيل التجسس هو (تتبع عورات الناس) ومساويهم (وقد قال تعالى: ولا تجسسوا ) أي لا تتبعوا عورات الناس ولا تطلعوا على سرائرهم، وقال مجاهد في تفسيره: خذوا ما ظهر ودعوا ما ستر الله وورد في الحديث لا تجسسوا ولا تحسسوا بالجيم والحاء (والمناظر) في أغلب حالاته (لا ينفك عن طلب عثرات أقرانه) والعثرة ما يسقط الإنسان في عثار قال الشاعر:

يموت الفتى من عثرة بلسانه وليس يموت المرء من عثرة الرجل

(وتتبع عورات خصومه) والعورة هو ما يلحق الإنسان العار عند ظهورها (حتى إنه ليخبر) أي يعطي خبرا (يورد مناظر إلى بلده) قادما (فيطلب) من الناس (من يخبره) (بواطن أحواله) من حال نشأته (ويستخرج بالسؤال) والبحث (مقابحه) ومذامه (حتى يعده ذخيرة لنفسه) يدخرها عنده إلى حين حضوره في مجلس المناظرة (في إفضاحه) على رءوس الأشهاد (وتخميله) وتبكيته (إذا مست إليه حاجته) ودعت ضرورته (حتى أنه ليستكشف) ويبحث ( عن أحوال صباه) ونشأته (وعن عيوب) في (بدنه فعساه) ولعله (يعثر) أي: يطلع (على هفوة) نادرة (أو على عيب) في بدنه (من قرع) وهو بالتحريك سقوط شعر الرأس وهو عن علة (أو غيره) كبرص وما أشبهه من الأمراض الخفية تحت الثياب (ثم إذا أحس) وعلم (بأدنى غلبة من جهته عرض به) أي حكاه من باب التعريض (إن كان متماسكا) في نفسه (ويستحسن ذلك منه) عند من حضر (ويعد من لطائف النسيب) في نسخة: التشذيب بل يعده بعض العوام إلهاما وكرامة (ولا يمتنع عن الإفضاح) تصريحا وفي نسخة: عن الإفصاح بالمهملة (إن كان متبجحا) مفتخرا (بالسفاهة) وطول اللسان (والاستهزاء) والاحتقار (كما يحكى عن جماعة من أكابر المناظرين المعدودين من فحولهم) الأجلة فإنه نقلت عنهم في مناظراتهم الطامات من التسافه والتفاحش، فاللائق بعلماء الآخرة الإعراض عن ذلك نسأل الله الهداية والتوفيق .




الخدمات العلمية