الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ولا تجب في الضال والمغصوب إلا إذا عاد بجميع نمائه فيجب زكاة ما مضى عند عوده

التالي السابق


ومن تفاريع هذا الشرط ما أشار إليه بقوله: (ولا تجب الزكاة في الضال) ، وهو المال الغائب، إن لم يكن مقدورا عليه لانقطاع الطريق أو انقطاع خبره، (ولا في) المال (المغصوب) ، وكذا في المسروق وتعذر انتزاعه، أو أودعه فجحد، أو وقع في بحر؛ ففي وجوب الزكاة في كل هؤلاء ثلاث طرق، وأصحها: أن المسألة على قولين؛ أظهرهما، وهو الجديد: وجوبها، والقديم: لا تجب. والطريق الثاني: القطع بالوجوب، والثالث: وهو الذي اختاره المصنف أنها لا تجب (إلا إذا عاد) المال المذكور (إليه بجميع نمائه) ؛ أي: إن عاد (فتجب فيه زكاة ما مضى عند عوده) ، فإن قلنا بالطريق الأول فالمذهب أن القولين جاريان مطلقا .

وقيل: موضعهما إذا عاد المال بلا نماء، فإن عاد معه وجبت الزكاة قطعا، وعلى هذا التفصيل لو عاد بعض النماء كان كما لو لم يعد شيء؛ ولذا قال المصنف: بجميع نمائه، ومعنى العود بلا نماء أن يتلفه الغاصب ويتعذر تغريمه، فأما إن غرم أو تلف في يده شيء كان يتلف في يد المالك أيضا فهو كما لو عاد النماء بعينه؛ هذا كله إن عاد المال إليه، ولا خلاف أن لا يجب إخراج الزكاة قبل عود المال إليه، فلو تلف في الحيلولة بعد مضي أحوال سقطت الزكاة على قول الوجوب؛ لأنه لم يتمكن، والتلف قبل التمكن يسقط الزكاة، وموضع الخلاف في الماشية المغصوبة به إذا كانت سائمة في يد المالك والغاصب، فإن علفت في يد أحدهما؛ فالنظر فيه كما تقدم في إسامة الغاصب وعلفه، هل يؤثران؟ وزكاة الأحوال الماضية إنما تجب على قول الوجوب إذا لم تنقص الماشية عن النصاب بما تجب الزكاة بأن كان فيها وقص، أما إذا كانت نصابا فقط ومضت أحوال؛ فالحكم على هذا القول لو كانت في يده ومضت أحوال لم تخرج منها زكاة .

[ ص: 19 ] ومن فروع هذا الشرط لو كانت له أربعون شاة فضلت واحدة ثم وجدها؛ إن قلنا: لا زكاة في الضال استأنف الحول، سواء وجدها قبل تمام الحول أو بعده، وإن أوجبناها في الضال ووجدها قبل تمام الحول بنى، وإن وجدها بعده زكى الأربعين .

ومن فروع هذا الشرط لو دفن ماله في موضع ثم نسيه ثم تذكر فهذا ضال، ففيه الخلاف سواء دفن في داره أو غيره، وقيل: تجب الزكاة هنا قطعا لتقصيره، ومن فروع هذا الشرط لو أسر المالك وحيل بينه وبين ماله وجب الزكاة على المذهب؛ لنفوذ تصرفه، وقيل: فيه الخلاف ولو اشترى مالا زكويا فلم يقبضه حتى مضى حول في يد البائع فالمذهب وجوب الزكاة على المشتري، وبه قطع الجمهور .

وقيل: لا تجب قطعا لضعف الملك، وقيل: فيه الخلاف الذي في المغصوب. ومن فروع هذا الشرط المال الغائب إن لم يكن مقدورا عليه لانقطاع الطريق وانقطاع خبره فكالمغصوب، وقيل: تجب قطعا ولا يجب الإخراج حتى يصل إليه، وإن كان مقدورا عليه وجب إخراج زكاته في الحال، ويخرجها في بلد المال، فإن أخرجها في غيره ففيه خلاف نقله الزيلعي، وهذا إذا كان المال مستقرا في موضع، فإن كان سائرا قال في العمدة: لا يخرج زكاة حتى يصل إليه، فإن وصل زكى الماضي بلا خلاف .



(فصل)

وقال أصحابنا: يشترط لوجوب الزكاة أن يكون المال ناميا حقيقة بالتولد والتناسل، وبالتجارات، أو تقديرا بات يتمكن من الاستنماء، بأن يكون المال في يده أو يد نامية؛ لأن السبب هو المال النامي، فلا بد منه تحقيقا أو تقديرا، فإن لم يتمكن من الاستنماء، فلا زكاة عليه؛ لفقد شرطه مثل مال الضمار كالآبق والمفقود والمغصوب والوديعة إذا نسي المودع وليس هو من معارفه، وإن كان من معارفه تجب عليه زكاة الماضي إذا تذكر، وفي المدفون في كرم أو أرض اختلاف المشايخ .

وقال زفر: تجب في جميع ذلك لتحقيق السبب، وهو ملك نصاب نام، وفوات اليد لا يخل بوجوب الزكاة كمال ابن السبيل، ولنا قول علي رضي الله عنه: لا زكاة في المال الضمار. موقوفا ومرفوعا، وهو المال الذي لا ينتفع به؛ مأخوذ من قولهم بعير ضمار إذا كان لا ينتفع به لهزاله أو من الإضمار، وهو الإخفاء والتغييب، ولأن السبب هو المال النامي ولا نماء إلا بالقدرة على التصرف، ولا قدرة عليه .

كذا قاله الزيلعي، وقال غيره: الضمار مال تعذر الوصول إليه مع قيام الملك، وفي القاموس: هو من المال الذي لا يرجى رجوعه، وفي البدائع: هو كل مال غير مقدور الانتفاع به مع قيام أصل الملك، وألحق بمال الضمار المال المغصوب إذا لم تكن عليه بينة إلا في غصب السائمة؛ فإنه ليس على صاحبها الزكاة، وإن كان الغاصب مقرا .

كذا في الخانية، وقيد صاحب الدرر المال المدفون أن يكون في مغارة، وقضيته أنه إذا دفن في بيت له أو لغيره كبيرا أو صغيرا ليس بضمار، فيكون نصابا .

وقال تاج الشريعة: إذا كان البيت كبيرا فحكمه حكم المغارة .




الخدمات العلمية