الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وأما البقر .

فلا شيء فيها حتى تبلغ ثلاثين ، ففيها تبيع
وهو الذي في السنة الثانية .

ثم في أربعين مسنة وهي التي في السنة الثالثة .

ثم في ستين تبيعان .

واستقر الحساب بعد ذلك ؛ ففي كل أربعين مسنة ، وفي كل ثلاثين تبيع .

التالي السابق


(أما البقر) وإنما قدمه على الغنم؛ لقربه من الإبل من حيث الضخامة حتى شملها اسم البدنة، وأنواعه ثلاثة: العراب والجاموس والدربانية، قال في القاموس: الدربانية جنس من البقر ترق أظلافها وجلودها ولها أسنمة اهـ .

والبقر يشمل الكل، فيكون حكمها واحد في قدر النصاب والواجب، وعند الاختلاط يجب ضم بعضها إلى بعض لتكميل النصاب، ثم تؤخذ الزكاة من أغلبها إن كان بعضها أكثر من بعض، وإن لم يكن يؤخذ أعلى الأدنى وأدنى الأعلى، هكذا نقله الزيلعي من أصحابنا، وقول بعضهم: والجاموس كالبقر؛ لأنه بقر حقيقة؛ إذ هو نوع منه، فتتناولهما النصوص الواردة باسم البقر ليس بجيد؛ لأنه يوهم أنه ليس ببقر، وعلى هذا ينظر فيما نقله الشمس السروجي في شرح الهداية، وعزاه إلى المحيط، أنه لو حلف لا يشتري بقرا فاشترى جاموسا يحنث، وكذا قولهم:إذا حلف لا يأكل لحم البقر فأكل لحم الجاموس لا يحنث؛ لأن مبنى الأيمان على العرف، وفي العادة أن أوهام الناس لا تسبق إليه، فتأمل (فلا شيء فيها حتى تبلغ ثلاثين، فإذا بلغت ثلاثين [ ص: 27 ] ففيها تبيع) كأمير (وهو الذي) طعن (في السنة الثانية) ، والأنثى تبيعة، ولا زيادة حتى تبلغ أربعين (وفي أربعين مسنة ولا يؤخذ الأنثى) إن كان في ماله أنثى، أو كان الكل إناثا لورود النص بالإناث كذا في الوجيز، (وهي) أي: المسنة (بنت أربع سنين) .

وفي الروضة التي طعنت في الثالثة، والذكر مسن، قال: وما ذكر في تفسير التبيع والمسنة هو المذهب المشهور، وحكى جماعة وجها أن التبيع له ستة أشهر والمسنة سنة، قلت: قال المصنف في الوجيز: ففي ثلاثين منه تبيع، وهو الذي له سنة، وفي أربعين مسنة، وهي التي لها سنتان، ثم لا شيء حتى تبلغ ستين، (ثم في الستين تبيعان واستقر الحساب بعد ذلك؛ ففي كل أربعين مسنة، وفي كل ثلاثين تبيع) ، ويتغير الفرض بعشر عشر، ففي سبعين تبيع ومسنة، وفي ثمانين مسنتان، وفي تسعين ثلاثة أتبعة، وفي مائة مسنة وتبيعان، وهكذا أبدا، وقال أصحابنا: في ثلاثين بقرا تبيع ذو سنة أو تبيعة، وفي أربعين مسن ذو سنتين أو مسنة، وهو قول علي بن أبي طالب وأبي سعيد الخدري، والتبيع ما طعن في الثانية، سمي به لأنه يتبع أمه، والمسن ما طعن في الثالثة، وفيما زاد بحسابه؛ ففي الواحدة الزائدة ربع عشر مسنة أو ثلث عشر التبيع، وفي الثنتين نصف عشر مسنة أو ثلثا عشر تبيع، وفي الثالثة ثلاثة أرباع عشر مسنة أو عشر تبيع، وهذا عند أبي حنيفة في رواية الأصل رواه أبو يوسف عنه، روى الحسن عن أبي حنيفة أنه لا يجب في الزيادة شيء حتى تبلغ خمسين، ففيها مسنة وربع مسنة أو ثلث تبيع، وقال أبو يوسف ومحمد: لا شيء في الزيادة حتى تبلغ ستين، وهو رواية عن أبي حنيفة ورواه أيضا أسد بن عمرو عن أبي حنيفة، وهو قول مالك والشافعي، قال في المحيط: هذه الرواية أعدل الأقوال، وفي البدائع هي أوفق الروايات عنه، وفي جوامع الفقه المختار قولهما، وفي الينابيع وعليه النقول، ودليل الصاحبين حديث معاذ لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يأخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعا أو تبيعة، ومن كل أربعين مسنة، فقالوا: الأوقاص؟ فقال: ما أمرني فيها بشيء، وسأسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدمت عليه، فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله عن الأوقاص، فقال: ليس فيها شيء. وفسروها بما بين الأربعين إلى الستين، ولأن الأصل في الزكاة أن يكون بين كل واجبين وقص؛ لأن توالي الواجبات غير مشروع فيها لاسيما فيما يؤدي إلى التشقيص في المواشي، وجه رواية الحسن، وهو القياس أن أوقاص البقر تسع كما قبل الأربعين وبعد الستين، فكذا هنا ووجه رواية الأصل؛ لأن المال سبب للوجوب، ونصب النصاب بالرأي لا يجوز، وكذا إخلاؤه عن الواجب بعد تحقق سببه واجتماع معاذ برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قدومه من اليمن لم يثبت، ولئن ثبت فقد قيل المراد به الصغار إذا كانت وحدها وبه نقول، فلا يلزم حجة مع الاحتمال (فإن قلت) فيما فات أيضا خلاف القياس، وهو إيجاب الكسور فبم يترجح مذهبه على مذهبهما؟ قلنا: إيجاب الكسور أهون من نصب النصاب بالرأي؛ لأن إثبات التقدير وإخلاء المال عن الواجب بالرأي ممتنع، ولأن الاحتياط في العبادات الإيجاب أيضا، فكان أولى، وإنما ذكروه من الوقص، وهو تسعة عشر ليس من أوقاص البقر؛ إذ هي تسعة تسعة، فبطل قياسهم عليها .



فصل

وفي الروضة: ما بين الفريضتين يسمى وقصا، منهم من يفتح قافه ومنهم من يسكنها، والشنق بمعنى الوقص، وقيل: الوقص في البقر والغنم خاصة، الشنق في الإبل خاصة، وهو المنقول عن الأصمعي وغيره يجعلهما سواء لما بين الفريضتين، وقد استعمله الفقهاء فيما دون النصاب، ويقال فيه: وقس بالسين المهملة، قلت: ونقله البيهقي في السنن عن المسعودي، ولكن المشهور عند أهل الفقه والحديث بالصاد المهملة، ونقل النووي أيضا أن ابن بري لحن الفقهاء في إسكان قاف الوقص وليس تلحينه صحيحا بل هما لغتان، قال: وأوضحت ذلك في شرح المهذب وتهذيب الأسماء واللغات .



فصل

ونقل أصحابنا عن أهل الظاهر أنهم قالوا: لا زكاة في أقل من خمسين من البقر، وادعوا فيه الإجماع من حيث أن أحدا لم يقل بعدم وجوب الزكاة في الخمسين، وقال آخرون: في خمس من البقر شاة، [ ص: 28 ] وفي العشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياه، وفي عشرين أربع شياه، وفي خمسة وعشرين بقرة إلى خمس وتسعين، فإذا زادت واحدة ففيها بقرتان إلى مائة وعشرين، فإذا زادت واحدة ففي كل أربعين بقرة مسنة اعتبروه بالإبل، وقالوا: هو قول عمر بن الخطاب وجابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وهم محجوجون بحديث معاذ المتقدم، رواه الترمذي وغيره، وكذلك نقلوا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في زكاة الإبل من أنه يجب في خمس وعشرين خمس شياه، وفي ست وعشرين بنت مخاض، وقالوا: ذلك شاذ لا يكاد يصح عنه حتى قال سفيان الثوري: هذا غلط وقع من رجال علي، أما علي فإنه أفقه من أن يقول ذلك، فإن فيه موالاة بين الواجبين ولا وقص بينهما، وهو خلاف أصول الزكاة، والله أعلم .




الخدمات العلمية