والمتحدث والمعطي في ملأ من الناس يبغي الرياء والإخفاء والسكوت هو المخلص منه وقد ، بالغ في فضل الإخفاء جماعة حتى اجتهدوا أن لا يعرف القابض المعطي فكان بعضهم يلقيه في يد أعمى وبعضهم يلقيه في طريق الفقير وفي موضع جلوسه حيث يراه ولا يرى المعطي وبعضهم كان يصره في ثوب الفقير ، وهو نائم وبعضهم كان يوصل إلى يد الفقير على يد غيره ؛ بحيث لا يعرف المعطي ، وكان يستكتم المتوسط شأنه ويوصيه بأن لا يفشيه كل ذلك توصلا إلى إطفاء غضب الرب سبحانه ، واحترازا من الرياء والسمعة . بصدقته يطلب السمعة ،
ومهما لم يتمكن إلا بأن يعرفه شخص واحد فتسليمه إلى وكيل ليسلم إلى المسكين والمسكين لا يعرف أولى ؛ إذ في معرفة المسكين الرياء والمنة جميعا وليس في معرفة المتوسط إلا الرياء ومهما كانت الشهرة مقصودة له .
حبط عمله لأن الزكاة إزالة للبخل وتضعيف لحب المال وحب الجاه أشد استيلاء على النفس من حب المال ، وكل واحد منهما مهلك في الآخرة ولكن صفة البخل تنقلب في القبر في حكم المثال عقربا لادغا وصفة الرياء تنقلب في القبر أفعى من الأفاعي وهو مأمور بتضعيفهما أو قتلهما لدفع أذاهما أو تخفيف أذاهما فمهما قصد الرياء والسمعة فكأنه جعل بعض أطراف العقرب مقويا للحية فبقدر ما ضعف من العقرب زاد في قوة الحية ، ولو ترك الأمر كما كان لكان الأمر أهون عليه .
وقوة هذه الصفات التي بها قوتها العمل بمقتضاها وضعف ، هذه الصفات بمجاهدتها ومخالفتها والعمل بخلاف مقتضاها ، فأي فائدة في أن يخالف دواعي البخل ويجيب دواعي الرياء فيضعف الأدنى ويقوي الأقوى وستأتي أسرار هذه المعاني في ربع المهلكات .