الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الثالثة : أن ينظر فيما يأخذه ، فإن لم يكن من حل تورع عنه ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ولن يعدم المتورع عن الحرام فتوحا من الحلال فلا يأخذ من أموال الأتراك والجنود وعمال السلاطين ومن أكثر كسبه من الحرام إلا إذا ضاق الأمر عليه وكان ما يسلم إليه لا يعرف له مالكا معينا فله أن يأخذ بقدر الحاجة فإن فتوى الشرع في مثل هذا أن يتصدق به على ما سيأتي بيانه في كتاب الحلال والحرام وذلك إذا عجز عن الحلال فإذا أخذ لم يكن أخذه أخذ زكاة إذ لا يقع زكاة عن مؤديه ، وهو حرام .

التالي السابق


(الثالثة: أن ينظر) الآخذ (فيما يأخذه، فإن لم يكن) المأخوذ (من حله) أي: المعطي، أي: من حلاله (تورع عنه) أي: امتنع من أخذه تورعا، فقد قال الله تعالى في كتابه العزيز: ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ) ومن يتوكل على الله فهو حسبه أخرج سعيد بن منصور والبيهقي في الشعب وابن مردويه عن مسروق عن ابن مسعود قال: مخرجا أن يعلم أن الله هو يعطيه وهو يمنعه، ومن حيث لا يحتسب لا يدري.

وأخرج أبو نعيم في الحلية عن عبد بن حميد عن قتادة قال: مخرجا من شبهات الدنيا والكرب عند الموت، ومن حيث لا يحتسب لا يؤمل ولا يرجو.

وأخرج أبو يعلى من طريق عطاء بن يسار عن ابن عباس مثله .

وأخرج الطبراني وابن مردويه عن معاذ بن جبل، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أيها الناس، اتخذوا تقوى الله تجارة يأتيكم الرزق بلا بضاعة ولا تجارة، ثم قرأ هذه الآية. (ولن يعدم المتورع عن الحرام) توكلا على ربه (فتوحا من الحلال) يأتي الله به من حيث لم يكن يأمله، (فلا يأخذن من أموال الأتراك) جمع الترك بالضم، جيل من الناس، الواحد تركي (والجنود) أي: العساكر الذين يستخدمونه الأتراك، الواحد جندي (وعمال السلاطين) على جباية أموال البلاد بأنواعهم (و) من أهل الكسب أيضا، (من أكثر كسبه) وتجارته (من الحرام) والأولين، فإن أكثرهم ظالمون وغاصبون بأموالهم كلها من ذلك، والتاجر الذي كسبه من حرام فسبيل ماله ملحق بهؤلاء، وإن كان بعض كسبه حلالا وبعضه حراما، ففي أخذ ما يعطيه وجهان كما سيأتي، (إلا إذا ضاق الأمر عليه) فإنه يتسع، ويجوز له الأخذ من أموال هؤلاء (و) كذا إذا (كان ما يسلم إليه) من العطاء (لا يعرف له مالكا معينا) أي: بعينه (فله أن يأخذ) في هذا الوجه لكن (بقدر الحاجة) ، وعلى سبيل الحاجة، ويمتنع عما زاد عن الحاجة (فإن فتوى الشرع) الظاهر (في مثل هذا) أي: من وصل ماله إلى هذا القدر (أن يتصدق به) ، ومن قواعدهم: الأمر إذا ضاق اتسع (على ما سيأتي في كتاب الحلال والحرام) بيانه وتفصيله، (وذلك إذا عجز عن الحلال) ولم يكن الوصول إليه (فإذا [ ص: 158 ] أخذ لم يكن أخذه زكاة) وإنما هو أخذ حاجة؛ (إذ لا يقع) ذلك (زكاة عن مؤديه، وهو حرام) ، وهو مؤاخذ به كما سيأتي .




الخدمات العلمية