الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
السادس : الإمساك عن إخراج القيء فالاستقاء يفسد الصوم وإن ذرعه القيء لم يفسد صومه

التالي السابق


(السادس : الإمساك عن إخراج القيء بالاستقاءة) أي : يطلبه (فإنه إذا استقاء) عامدا (فسد صومه) وبه قال مالك (وإن ذرعه القيء) أي : غلبه (لم يفسد صومه) بالإجماع لما روى أصحاب السنن الأربعة واللفظ للترمذي عن أبي هريرة مرفوعا : "من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه قضاء ومن استقاء عمدا فليقض " وقال : حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا من حديث عيسى بن يونس وقال البخاري لا أراه محفوظا لهذا أعني للغرابة ولا يقدح في ذلك بعد تصديقه الراوي فإنه هو الشاذ المقبول وقد صححه الحاكم وابن حبان ورواه الدارقطني وقال : رواته كلهم ثقات ثم قد تابع عيسى بن يونس عن هشام حفص بن غياث رواه ابن ماجه ورواه الحاكم وسكت عليه ورواه مالك في الموطأ موقوفا على ابن عمر ورواه النسائي من حديث الأوزاعي موقوفا على أبي هريرة ووقفه عبد الرزاق على أبي هريرة وعلي أيضا .

واختلفت أصحاب الشافعي في سبب الفطر إذا تقيأ عمدا فالأصح : أن نفس الاستقاءة مفطرة كالإنزال ، والثاني : أن المفطر رجوع شيء مما خرج وإن قل فلو تقيأ منكوسا أو تحفظ فاستيقن أنه لم يرجع شيء إلى جوفه ففي فطره الوجهان قال الإمام فلو استقاء عمدا أو تحفظ جهده فغلبه القيء ورجع شيء فإن قلنا الاستقاءة مفطرة بنفسها فهنا أولى وإلا فهو كالمبالغة في المضمضة إذا سبق الماء إلى جوفه وقال أصحابنا جملة الكلام فيه أنه لا يخلو ما إن قاء عامدا أو ذرعه القيء وكل منهما لا يخلو إما أن يكون ملء الفم أو لا وكل من هذه الأقسام لا يخلو إما أن عاد هو بنفسه أو أعاده أو خرج ولم يعده ولا عاد بنفسه فإن ذرعه القيء وخرج لا يفطره قل أو كثر لإطلاق ما روينا وإن عاد هو بنفسه وهو ذاكر للصوم إن كان ملء الفم فسد صومه عند أبي يوسف لأنه خارج حتى انتقضت به الطهارة وقد دخل وعند محمد لا يفسد وهو الصحيح لأنه لم يوجد منه صورة الفطر وهو الابتلاع وكذا معناه إذ لا يتغذى به فأبو يوسف يعتبر الخروج ومحمد يعتبر الصنع وإن أعاده أفطر بالإجماع لوجود الصنع عند محمد والخروج عند أبي يوسف وإن كان أقل من ملء الفم لا يفطر فإن عاد لا يفطره بالإجماع لعدم الخروج والصنع وإن أعاده فسد صومه عند محمد لوجود الصنع ولا يفسد عند أبي يوسف لعدم الخروج وإن استقاء عامدا إن كان ملء فيه فسد صومه بالإجماع فلا يتأتى فيه تفريع على قوله ولا يفطر عند أبي يوسف لعدم الخروج وصححه شارح الكنز ولكنه خلاف ظاهر الرواية أي : من [ ص: 214 ] حيث الإطلاق ثم إن عاد بنفسه لم يفطر وإن أعاده ففيه روايتان وزفر مع محمد في أن قليله يفسد الصوم وهو جرى على أصله في انتقاض الطهارة وقولهم إذا استقاء عمدا يخرج به ما إذا كان ناسيا لصومه فإنه لا يفسد به كغيره من المفطرات وهذا كله إذا كان القيء طعاما أو ماء أو مرة فإن كان بلغما فغير مفسد للصوم عند أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف إذا ملأ الفم بناء على قوله أنه ناقض وإن قاء مرارا في مجلس واحد لزمه القضاء وإن كان في مجالس أو غدوة ثم نصف النهار ثم عشية لا يلزمه القضاء ولم يفصل في المبسوط في ظاهر الرواية بين ملء الفم وما دونه وفي رواية الحسن عن أبي حنيفة فرق بينهما ، والله أعلم .

وعند الإمام أحمد روايات في القيء الذي ينقض الوضوء والفطر معا إحداها : لا يفطر إلا بالفاحش منه وهي المشهورة ، الثانية : ملء الفم ، الثالثة : ما كان في نصف الفم ، وعنه رواية أخرى رابعة في انتقاض الوضوء بالقيء قليله وكثيره وهي في الفطر أيضا إلا أن القيء الذي يفسد الصوم على اختلاف مذهبه في صفته فإنه لم يختلف مذهبه في اشتراط التعمد فيه ، والله أعلم .




الخدمات العلمية