الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ويجب الإمساك إذا شهد بالهلال عدل واحد يوم الشك

التالي السابق


(ويجب الإمساك إذا) أصبح مفطرا ثم (شهد بالهلال عدل واحد يوم الشك ) وهو يوم الثلاثين من شعبان أنه من رمضان على أصح القولين لأن الصوم واجب عليه إلا أنه كان لا يعرفه فإذا بان لزمه الإمساك قال الإمام وتخريجه على القاعدة التي ذكرنا أن الأمر بالإمساك تغليظ وعقوبة أنا قد ننزل المخطئ منزلة العامد لانتسابه إلى ترك التحفظ ألا ترى أنا نحكم بحرمان القاتل خطأ من الميراث والثاني قاله في البويطي : لأنه أفطر بعذر فلم يلزمه إمساك بقية النهار كالمسافر إذا قدم بعد الإفطار وفرض أبو سعيد المتولي هذين القولين فيما إذا بان أنه من رمضان قبل أن يأكل شيئا ثم رتب عليه ما إذا بان بعد الأكل فقال : إن لم نوجب الإمساك ثمة فما هنا أولى وإلا فوجهان : أظهرهما : الوجوب أيضا والفرق بين صورة المريض والمسافر وصورة يوم الشك أن المسافر والمريض يباح لهما الأكل مع العلم بحال اليوم وكونه من رمضان حقيقة وفي يوم الشك وإنما أبيح الأكل لأنه لم يتحقق كونه من رمضان فإذا تحققه لزمه الإمساك .



(فصل)

وإذا بلغ الصبي أو أفاق المجنون أو أسلم الكافر في أثناء يوم من رمضان فهل يلزمهم إمساك بقية اليوم ؟ فيه أربعة أوجه :

أصحها : لا ؛ لأنهم لم يدركوا وقتا يسع الصوم ولا أمروا به والإمساك تبع للصوم وبه قال مالك .

والثاني : نعم وبه قال أبو حنيفة وهو أصح الروايتين عن أحمد .

والثالث : أنه يجب على الكافر دون الصبي والمجنون فإنهما معذوران ليس إليهما إزالة ما بهما والكافر مأمور بترك الكفر والإتيان بالصوم .

والرابع : أنه يجب على الصبي والكافر دون المجنون .

قال الرافعي : وإذا فهمت هذه الوجوه عرفت أن الكافر أولاهم بالوجوب والمجنون أولاهم بالمنع والصبي بينهما ذلك أن نرتب فنقول في وجوب الإمساك على الكافر وجهان أوجبنا ففي الصبي وجهان إن لم يجب ففي الكافر وجهان ولهذا الترتيب نقل صاحب المعتمد طريقة قاطعة بالوجوب على الكافر هذا بيان الخلاف في وجوب الإمساك وهل عليهم قضاء اليوم الذي زال العذر في خلاله ؟ أما الصبي إذا بلغ في أثناء النهار فينظر إن كان ناويا من الليل صائما فظاهر المذهب أنه لا قضاء عليه ويلزمه الإتمام ولو جامع بعد البلوغ فيه فعليه الكفارة وفيه وجه أنه يستحب الإتمام ويلزمه القضاء ويحكى هذا عن ابن سريج وإن أصبح مفطرا ففيه وجهان : أصحهما وبه قال أبو حنيفة : أنه لا يلزمه القضاء وأما إذا أفاق المجنون أو أسلم الكافر ففيهما طريقان أحدهما طرد الخلاف وهذا أظهر عند الأكثرين والأظهر من الخلاف أنه لا قضاء ويحكى ذلك في الكافر عن نصه في القديم والأم والبويطي والثاني : القطع بالمنع في حق المجنون لأنه لم يكن مأمورا بالصوم في أول النهار وبالإيجاب في حق الكافر لأنه متعد بترك الصوم في أول النهار وهذا أصح عند صاحب التهذيب ونقل الإمام عن الأصحاب أن الأمر بالقضاء فرع الأمر بالإمساك فمن ألزم الإمساك ألزم القضاء ومن لا فلا ، وبنى صاحب التهذيب وغيره الخلاف في وجوب الإمساك على الخلاف في وجوب القضاء إن أوجبنا القضاء أوجبناه وإلا فلا ، فهذه ثلاثة طرق إحداها تقدم قبل ذلك عن نقل الإمام عن الصيدلاني وهي على اختلافها متفقة على تعلق أحد [ ص: 225 ] الخلافين بالآخر والطريقان المذكوران هنا يشكلان بالحائض والنفساء إذا طهرتا في خلال النهار فإن القضاء واجب عليهما لا محالة والإمساك غير واجب عليهما على الأظهر كما تقدم لأن صاحب المعتمد حكى طرو الخلاف فيهما فإذا كان كذلك لم يستمر قولان بأن القضاء فرع الإمساك ولا بأن الإمساك فرع القضاء والطريق الأول المنقول عن الصيدلاني فيما سبق يشكل بصورة يوم الشك والتعدي بالإفطار فإن القضاء لازم مع التشبيه .



(فصل)

أيام رمضان متعينة لصوم رمضان فإن كان الشخص معذورا بسفر أو مرض فإما أن يترخص بالفطر أو يصوم عن رمضان وليس له أن يصوم عن فرض آخر أو تطوع وبه قال مالك وأحمد وقال أبو حنيفة للمسافر أن يصوم عن القضاء والكفارة ولو صام عن تطوع ففي رواية يقع تطوعا وفي رواية ينصرف إلى الفرض وحكى الشيخ أبو محمد ترددا عن أصحابه في المريض الذي له الفطر إذا تحمل المشقة وصام عن غير رمضان وحكى خلافا فيمن أصبح في يوم من رمضان غير ناو ونوى التطوع قبل الزوال فذهب الجماهير أنه لا يصح تطوعه بالصوم وعن الشيخ أبي إسحاق أنه يصح قال فعلى قياسه يجوز للمسافر التطوع به .




الخدمات العلمية