الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وللمنع من الإقامة كره بعض العلماء أجور دور مكة ولا تظنن أن كراهة المقام يناقض فضل البقعة ؛ لأن هذه كراهة علتها ضعف الخلق وقصورهم عن القيام بحق الموضع فمعنى قولنا : إن ترك المقام به أفضل أي بالإضافة إلى مقام مع التقصير والتبرم أما أن يكون أفضل من المقام مع الوفاء بحقه فهيهات وكيف لا ولما عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة استقبل الكعبة وقال : " إنك لخير أرض الله عز وجل وأحب بلاد الله تعالى إلي ، ولولا أني أخرجت منك لما خرجت " وكيف لا والنظر إلى البيت عبادة والحسنات فيها مضاعفة كما ذكرناه .

التالي السابق


(وللمنع من الإقامة كره بعض العلماء أجور دور مكة ) وكان ابن عباس يقول : البيوت بيوت مكة حرام ، ولا تقوم الساعة حتى يستحل الناس اثنين : إتيان النساء في أدبارهن ، وأجور بيوت مكة ، وكان الثوري وبشر وجماعة من الفقهاء وأهل الورع يكرهون أن يدفع الرجل كراء بيوت مكة حتى قال الثوري : إذا طالبوك ولم يكن بد من أن تعطيهم ، فخذ لهم من البيت قيمة ما أخذوه منك ، كذا في القوت .

وأخرج سعيد بن منصور عن مجاهد رفعه : "إن مكة حرم حرمها الله تعالى ، لا يحل بيع رباعها ولا أجور بيوتها " .

وأخرج أيضا عن ابن جريج قال : إني قرأت كتاب عمر بن عبد العزيز ينهى عن كراء بيوت مكة (ولا تظنن أن كراهة المقام يناقض فضل البقعة ؛ لأن هذه الكراهة علتها ضعف الخلق وقصورهم عن القيام بحق الموضع) من الآداب (فمعنى قولنا : إن ترك المقام بها أفضل أي بالإضافة إلى مقام) أي إقامة (مع التقصير) عن أداء حق الموضع (والتبرم) أي التضجر (فأما أن يكون أفضل من المقام مع الوفاء بحق البقعة فهيهات) أي بعيد (وكيف لا ولما عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة استقبل الكعبة وقال : "إنك لخير أرض الله وأحب بلاد الله إلي ، ولولا أني أخرجت منك لما خرجت ") .

قال العراقي : رواه الترمذي ، وصححه النسائي في الكبرى ، وابن ماجه ، وابن حبان من حديث عبد الله بن عدي بن الحمراء . . أهـ .

قلت : وعبد الله بن عدي هذا زهري له صحبة ، روى عنه أبو سلمة ومحمد بن جبير ، وهو من رجال الترمذي والنسائي وابن ماجه ، ولفظ الترمذي والنسائي أن عبد الله بن عدي سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف على راحلته على الحزورة من مكة وهو يقول لمكة : "والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ولولا أني أخرجت منك ما خرجت " . وأخرجه ابن حبان في التقاسيم والأنواع ، وسعيد بن منصور في سننه .

قال الطبري في مناسكه : وذكره رزين عن الموطأ من حديث أبي سلمة عن عبد الرحمن عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم أره في موطأ يحيى بن يحيى . وأخرجه أحمد وقال : وهو واقف بالحزورة في سوق مكة . وأخرجه رزين أيضا عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من مكة وقف عند الحزورة وقال : "ما أطيبك من بلد وأحبك إلي ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك " . وعلم عليه علامة الموطأ ، ولم أره في موطأ يحيى بن يحيى . . أهـ .

(وكيف لا والنظر إلى البيت عبادة) وهذا قد روي مرفوعا من حديث عائشة .

أخرجه أبو الشيخ الأصبهاني بلفظ : النظر إلى الكعبة عبادة . وهو في مصنف ابن أبي شيبة بلفظ المصنف من طرق كثيرة (والحسنات) أي : أعمال البر (فيها مضاعفة) فيما روي عن ابن عباس (كما ذكرناه) قريبا .




الخدمات العلمية