فإن من لا يعرف
nindex.php?page=treesubj&link=29497_34306حقارة الدنيا وكدورتها وامتزاج لذاتها بألمها ثم انصرام ما يصفو منها فهو فاسد العقل .
فإن المشاهدة والتجربة ترشد إلى ذلك فكيف يكون من العلماء من لا عقل له ومن لا يعلم عظم أمر الآخرة ودوامها فهو كافر مسلوب الإيمان فكيف يكون من العلماء من لا إيمان له ومن لا يعلم مضادة الدنيا للآخرة وأن الجمع بينهما طمع في غير مطمع فهو جاهل بشرائع الأنبياء كلهم بل هو كافر بالقرآن كله من أوله إلى آخره فكيف يعد من زمرة العلماء ومن علم هذا كله ثم لم يؤثر الآخرة على الدنيا فهو أسير الشيطان قد أهلكته شهوته وغلبت عليه شقوته فكيف يعد من حزب العلماء من هذه درجته .
وفي أخبار داود عليه السلام حكاية عن الله تعالى إن أدنى ما أصنع بالعالم إذا آثر شهوته على محبتي أن أحرمه لذيذ مناجاتي يا
داود لا تسأل عني عالما قد أسكرته الدنيا فيصدك عن طريق محبتي أولئك قطاع الطريق على عبادي يا
داود ، إذا رأيت لي طالبا فكن له خادما ، يا داود ، من رد إلي هاربا كتبته جهبذا ومن كتبته جهبذا لم أعذبه أبدا ولذلك قال
الحسن رحمه الله عقوبة العلماء موت القلب وموت القلب طلب الدنيا بعمل الآخرة .
ولذلك قال يحيى بن معاذ إنما يذهب بهاء العلم والحكمة إذا طلب بهما الدنيا .
وقال سعيد بن المسيب رحمه الله: إذا رأيتم العالم يغشى الأمراء فهو لص وقال عمر رضي الله عنه إذا رأيتم العالم محبا للدنيا فاتهموه على دينكم فإن كل محب يخوض فيما أحب وقال
nindex.php?page=treesubj&link=33934مالك بن دينار رحمه الله قرأت في بعض الكتب السالفة إن الله تعالى يقول : إن أهون ما أصنع بالعالم إذا أحب الدنيا أن أخرج حلاوة مناجاتي من قلبه .
وكتب رجل إلى أخ له إنك قد أوتيت علما فلا تطفئن نور علمك بظلمة الذنوب فتبقى في الظلمة يوم يسعى أهل العلم في نور علمهم وكان يحيى بن معاذ الرازي رحمه الله يقول لعلماء الدنيا يا أصحاب العلم قصوركم قيصرية وبيوتكم كسروية وأثوابكم ظاهرية وأخفافكم جالوتية ومراكبكم قارونية وأوانيكم فرعونية ومآثمكم جاهلية ومذاهبكم شيطانية فأين الشريعة المحمدية قال الشاعر .
وراعي الشاة يحمي الذئب عنها فكيف إذا الرعاة لها ذئاب
وقال الآخر .
يا معشر القراء يا ملح البلد ما يصلح الملح إذا الملح فسد
وقيل لبعض العارفين أترى أن من تكون المعاصي قرة عينه لا يعرف الله قال لا شك أن من تكون الدنيا عنده آثر من الآخرة أنه لا يعرف الله تعالى .
وهذا دون ذلك بكثير ولا تظنن أن ترك المال يكفي في اللحوق بعلماء الآخرة فإن الجاه أضر من المال ولذلك قال بشر حدثنا باب من أبواب الدنيا فإذا سمعت الرجل يقول حدثنا فإنما يقول أوسعوا لي .
ودفن
nindex.php?page=showalam&ids=15531بشر بن الحارث بضعة عشر ما بين قمطرة وقوصرة من الكتب وكان يقول أنا أشتهي أن أحدث ولو ذهبت عني شهوة الحديث لحدثت وقال هو وغيره إذا اشتهيت أن تحدث فاسكت فإذا لم تشته فحدث .
وهذا لأن التلذذ بجاه الإفادة ومنصب الإرشاد أعظم لذة من كل تنعم في الدنيا فمن أجاب شهوته فيه فهو من أبناء الدنيا .
ولذلك قال الثوري فتنة الحديث أشد من فتنة الأهل والمال والولد وكيف لا تخاف فتنته وقد قيل لسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا
فَإِنَّ مَنْ لَا يَعْرِفُ
nindex.php?page=treesubj&link=29497_34306حَقَارَةَ الدُّنْيَا وَكُدُورَتَهَا وَامْتِزَاجَ لَذَّاتِهَا بِأَلَمِهَا ثُمَّ انْصِرَامِ مَا يَصْفُو مِنْهَا فَهُوَ فَاسِدُ الْعَقْلِ .
فَإِنَّ الْمُشَاهَدَةَ وَالتَّجْرِبَةِ تُرْشِدُ إِلَى ذَلِكَ فَكَيْفَ يَكُونُ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ وَمَنْ لَا يَعْلَمُ عِظَمَ أَمْرِ الْآخِرَةِ وَدَوَامَهَا فَهُوَ كَافِرٌ مَسْلُوبُ الْإِيمَانِ فَكَيْفَ يَكُونُ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ لَا إِيمَانَ لَهُ وَمَنْ لَا يَعْلَمُ مُضَادَّةَ الدُّنْيَا لِلْآخِرَةِ وَأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا طَمَعٌ فِي غَيْرِ مَطْمَعٍ فَهُوَ جَاهِلٌ بِشَرَائِعِ الْأَنْبِيَاءِ كُلِّهِمْ بَلْ هُوَ كَافِرٌ بِالْقُرْآنِ كُلِّهِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخَرِهِ فَكَيْفَ يُعَدُّ مِنْ زُمْرَةِ الْعُلَمَاءِ وَمَنْ عَلِمَ هَذَا كُلَّهُ ثُمَّ لَمْ يُؤْثِرِ الْآخِرَةَ عَلَى الدُّنْيَا فَهُوَ أَسِيرُ الشَّيْطَانِ قَدْ أَهْلَكَتْهُ شَهْوَتُهُ وَغَلَبَتْ عَلَيْهِ شِقْوَتُهُ فَكَيْفَ يُعَدُّ مِنْ حِزْبِ الْعُلَمَاءِ مَنْ هَذِهِ دَرَجَتُهُ .
وَفِي أَخْبَارِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِكَايَةً عَنِ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّ أَدْنَى مَا أَصْنَعُ بِالْعَالِمِ إِذَا آثَرَ شَهْوَتَهُ عَلَى مَحَبَّتِي أَنْ أَحْرِمَهُ لَذِيذَ مُنَاجَاتِي يَا
دَاوُدُ لَا تَسْأَلْ عَنِّي عَالِمًا قَدْ أَسْكَرَتْهُ الدُّنْيَا فَيَصُدَّكَ عَنْ طَرِيقِ مَحَبَّتِي أُولَئِكَ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ عَلَى عِبَادِي يَا
دَاوُدُ ، إِذَا رَأَيْتَ لِي طَالِبًا فَكُنْ لَهُ خَادِمًا ، يَا دَاوُدُ ، مَنْ رَدَّ إِلَيَّ هَارِبًا كَتَبْتُهُ جِهْبَذًا وَمَنْ كَتَبْتُهُ جِهْبَذًا لَمْ أُعَذِّبْهُ أَبَدًا وَلِذَلِكَ قَالَ
الْحَسَنُ رَحِمَهُ اللَّهُ عُقُوبَةُ الْعُلَمَاءِ مَوْتُ الْقَلْبِ وَمَوْتُ الْقَلْبِ طَلَبُ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ .
وَلِذَلِكَ قَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ إِنَّمَا يَذْهَبُ بِهَاءُ الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ إِذَا طُلِبَ بِهِمَا الدُّنْيَا .
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ رَحِمَهُ اللَّهُ: إِذَا رَأَيْتُمُ الْعَالِمَ يَغْشَى الْأُمَرَاءَ فَهُوَ لِصٌّ وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا رَأَيْتُمُ الْعَالِمَ مُحِبًّا لِلدُّنْيَا فَاتَّهِمُوهُ عَلَى دِينِكُمْ فَإِنَّ كُلَّ مُحِبٍّ يَخُوضُ فِيمَا أَحَبَّ وَقَالَ
nindex.php?page=treesubj&link=33934مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَرَأْتُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ السَّالِفَةِ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : إِنَّ أَهْوَنَ مَا أَصْنَعُ بِالْعَالِمِ إِذَا أَحَبَّ الدُّنْيَا أَنْ أُخْرِجَ حَلَاوَةَ مُنَاجَاتِي مِنْ قَلْبِهِ .
وَكَتَبَ رَجُلٌ إِلَى أَخٍ لَهُ إِنَّكَ قَدْ أُوتِيتَ عِلْمًا فَلَا تُطْفِئَنَّ نُورَ عِلْمِكَ بِظُلْمَةِ الذُّنُوبِ فَتَبْقَى فِي الظُّلْمَةِ يَوْمَ يَسْعَى أَهْلُ الْعِلْمِ فِي نُورِ عِلْمِهِمْ وَكَانَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذِ الرَّازِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ لِعُلَمَاءِ الدُّنْيَا يَا أَصْحَابَ الْعِلْمِ قُصُورُكُمْ قَيْصَرِيَّةٌ وَبُيُوتُكُمْ كِسْرَوِيَّةٌ وَأَثْوَابُكُمْ ظَاهِرِيَّةٌ وَأَخْفَافُكُمْ جَالُوتِيَّةٌ وَمَرَاكِبُكُمْ قَارُونِيَّةٌ وَأَوَانِيكُمْ فِرْعَوْنِيَّةٌ وَمَآثِمُكُمْ جَاهِلِيَّةٌ وَمَذَاهِبُكُمْ شَيْطَانِيَّةٌ فَأَيْنَ الشَّرِيعَةُ الْمُحَمَّدِيَّةُ قَالَ الشَّاعِرُ .
وَرَاعِي الشَّاةِ يَحْمِي الذِّئْبَ عَنْهَا فَكَيْفَ إِذَا الرُّعَاةُ لَهَا ذِئَابُ
وَقَالَ الْآخَرُ .
يَا مَعْشَرَ الْقُرَّاءِ يَا مِلْحَ الْبَلَدِ مَا يُصْلِحُ الْمِلْحُ إِذَا الْمِلْحُ فَسَدَ
وَقِيلَ لِبَعْضِ الْعَارِفِينَ أَتَرَى أَنَّ مَنْ تَكُونُ الْمَعَاصِي قُرَّةَ عَيْنِهِ لَا يَعْرِفُ اللَّهَ قَالَ لَا شَكَّ أَنَّ مَنْ تَكُونُ الدُّنْيَا عِنْدَهُ آثَرَ مِنَ الْآخِرَةِ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ اللَّهَ تَعَالَى .
وَهَذَا دُونَ ذَلِكَ بِكَثِيرٍ وَلَا تَظْنُنَّ أَنَّ تَرْكَ الْمَالِ يَكْفِي فِي اللُّحُوقِ بِعُلَمَاءِ الْآخِرَةِ فَإِنَّ الْجَاهَ أَضَرُّ مِنَ الْمَالِ وَلِذَلِكَ قَالَ بِشْرُ حَدَّثَنَا بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الدُّنْيَا فَإِذَا سَمِعْتَ الرَّجُلَ يَقُولُ حَدَّثَنَا فَإِنَّمَا يَقُولُ أَوْسِعُوا لِي .
وَدَفَنَ
nindex.php?page=showalam&ids=15531بِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ بِضْعَةَ عَشَرَ مَا بَيْنَ قِمْطَرَةٍ وَقَوْصَرَّةٍ مِنَ الْكُتُبِ وَكَانَ يَقُولُ أَنَا أَشْتَهِي أَنْ أُحَدِّثَ وَلَوْ ذَهَبَتْ عَنِّي شَهْوَةُ الْحَدِيثِ لَحَدَّثْتُ وَقَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ إِذَا اشْتَهَيْتَ أَنْ تُحَدِّثَ فَاسْكُتْ فَإِذَا لَمْ تَشْتَهِ فَحَدِّثْ .
وَهَذَا لِأَنَّ التَّلَذُّذَ بِجَاهِ الْإِفَادَةِ وَمَنْصِبِ الْإِرْشَادِ أَعْظَمُ لَذَّةً مِنْ كُلِّ تَنَعُّمٍ فِي الدُّنْيَا فَمَنْ أَجَابَ شَهْوَتَهُ فِيهِ فَهُوَ مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا .
وَلِذَلِكَ قَالَ الثَّوْرِيُّ فِتْنَةُ الْحَدِيثِ أَشَدُّ مِنْ فِتْنَةِ الْأَهْلِ وَالْمَالِ وَالْوَلَدِ وَكَيْفَ لَا تَخَافُ فِتْنَتَهُ وَقَدْ قِيلَ لِسَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا