الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الرابع : إذا دخل مكة وانتهى إلى رأس الردم فعنده يقع بصره على البيت فليقل : لا إله إلا الله والله أكبر اللهم أنت السلام ومنك السلام ودارك دار السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام اللهم إن هذا بيتك عظمته وكرمته وشرفته اللهم فزده تعظيما وزده تشريفا وتكريما وزده مهابة وزد من حجه برا وكرامة اللهم افتح لي أبواب رحمتك وأدخلني جنتك وأعذني من الشيطان الرجيم .

الخامس : إذا دخل المسجد الحرام فليدخل من باب بني شيبة وليقل بسم الله وبالله ومن الله وإلى وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا قرب من البيت قال : الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى اللهم صل على محمد عبدك ورسولك وعلى إبراهيم خليلك وعلى جميع أنبيائك ورسلك وليرفع يديه وليقل اللهم إني أسألك في مقامي هذا في أول مناسكي أن تتقبل توبتي وأن تتجاوز عن خطيئتي وتضع عني وزري الحمد لله الذي بلغني بيته الحرام الذي جعله مثابة للناس وأمنا وجعله مباركا وهدى للعالمين اللهم إني عبدك والبلد بلدك والحرم حرمك والبيت بيتك جئتك أطلب رحمتك وأسألك مسألة المضطر الخائف من عقوبتك الراجي لرحمتك الطالب مرضاتك .

التالي السابق


(الرابع : إذا دخل مكة وانتهى إلى) موضع يقال (رأس الردم فعنده يقع بصره على البيت) قال الرافعي : بناء البيت رفيع يرى قيل : دخول المسجد من موضع يقال له : رأس الردم إذا دخل الداخل من أعلى مكة وحينئذ يقف ويدعو . . أهـ .

وأصل الردم : السد ، يقال : ردمت الثلمة ردما ويسمى هذا الموضع بالمصدر وقال الطبري في المناسك : وأول موضع يقع فيه بصره على البيت رأس الردم لمن يأتي من أعلى مكة وقد كان ذلك فأما اليوم فقد سد بالأبنية . . أهـ .

(فليقل : لا إله إلا الله والله أكبر) وقال صاحب الوقاية من أصحابنا وحين رأى البيت كبر وهلل وزاد صاحب النقاية : ودعا وذلك لأن الدعاء عند رؤية البيت مستجاب وقال صاحب الهداية ومحمد : لم يعين في الأصل لمشاهد الحج شيئا من الدعوات لأن التوقيت يذهب بالرقة وإن تبرك بالمنقول منها فحسن . . أهـ . ومما يدعى به : (اللهم أنت السلام ومنك السلام ودارك دار السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام) هكذا في نسخ الكتاب وفي شرح الرافعي : اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام وقال : يروى ذلك عن ابن عمر قلت : قال الحافظ : رواه ابن المفلس عن هشيم عن يحيى بن سعيد عن محمد بن سعيد بن المسيب عن أبيه أن عمر كان إذا نظر إلى البيت قال ذلك كذا قال هشيم ورواه سعيد بن منصور في السنن له عن ابن عيينة عن يحيى بن سعيد فلم يذكر عمر ، ورواه الحاكم من حديث ابن عيينة عن [ ص: 343 ] إبراهيم بن طريف عن حميد بن يعقوب سمع سعيد بن المسيب قال : سمعت ابن عمر يقول كلمة ما بقي أحد من الناس سمعها غيري سمعته يقول إذا رأى البيت فذكره ورواه البيهقي عنه . . أهـ .

وقال الطبري : حديث ابن المسيب عن عمر صحيح صححه الحفاظ .

وأخرج سعيد بن منصور عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول ذلك إذا نظر إلى البيت وأخرجه الشافعي كذلك ومن الأدعية المأثورة : (اللهم إن هذا بيتك عظمته وكرمته وشرفته اللهم فزده تعظيما وزده تشريفا وتكريما وزده مهابة وزد من حج إليه برا وكرامة) ونص الرافعي إذا وقع بصره على البيت قال ما روي في الخبر وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى البيت رفع يديه ثم قال : "اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وزد من شرفه وعظمه ممن حجه أو اعتمره تشريفا وتكريما وتعظيما ومهابة وبرا " وهكذا أورده المصنف في الوجيز ثم قال الرافعي ولعلك تنظر في لفظ الكتاب في الدعاء فتقول : إنه جمع أولا بين المهابة والبر ولم يزد في الخبر إلا المهابة وذكر آخرون البر دون المهابة وكذا رويتموه في الخبر ونقل المزني في المختصر المهابة دون البر فما الحال فيهما ؟ فاعلم أن الجمع بين المهابة والبر لم نره إلا للمصنف ولا ذكر له في الخبر ولا في كتب الأصحاب بل البيت لا يتصور منه بر فلا يصح إطلاق هذا اللفظ إلا أن يعني البر إليه وأما الثاني فالثابت في الخبر الاقتصار على البر كما أورده ولم يثبت الأئمة ما نقله المزني . . أهـ .

قال الحافظ : هذا الدعاء رواه البيهقي من حديث سفيان الثوري عن أبي سعيد الشامي عن مكحول به مرسلا وأبو سعيد هو محمد بن سعيد المصلوب كذاب ، ورواه الأزرقي في تاريخ مكة من حديث مكحول أيضا وفيه : مهابة وبرا في الموضعين وهو ما ذكره المصنف في الوسيط وتعقبه الرافعي بأن البر لا يتصور من البيت وأجاب النووي بأن معناه البر بزيارته ورواه سعيد بن منصور في السنن له من طريق برد بن سنان سمعت ابن قسامة يقول : إذا رأيت البيت فقل : اللهم زد فذكره سواء ، ورواه الطبراني من مرسل حذيفة بن أسيد بسند فيه كذاب وأصل هذا ما رواه الشافعي عن سعيد بن سالم عن ابن جريج أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى البيت فذكره مثل ما أورده الرافعي إلا أنه قال وكرمه بدل وعظمه وهو معضل . . أهـ .

قلت : في مسند سعيد بن منصور بن قسامة هكذا في نسخ التخريج وفي كتاب الطبري عباد بن ثمامة قال : وأخرجه أبو حفص الملا في سيرته عن أبي أسيد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل : ورفع يديه ثم قال المصنف : (اللهم افتح لي أبواب رحمتك وأدخلني جنتك وأعذني من الشيطان الرجيم ) وفي كتب أصحابنا إن هذا الدعاء يقوله عند دخوله في باب المسجد فيقدم رجله اليمنى ويقول : بسم الله والحمد لله والصلاة على رسول الله اللهم افتح لي أبواب رحمتك وأدخلني فيها ، وذكر الرافعي هنا دعاء وهو أن يقول : اللهم إنا كنا نحل عقدة ونشد لأخرى ونهبط واديا ونعلو آخر حتى أتيناك غير محجوب أنت عنا فيا من إليه خرجنا وبيته حججنا ارحم ملقى رحالنا بفناء بيتك ، ثم يدعو بما أحب من مهمات الدنيا والآخرة وأهمها سؤال المغفرة ، قال الحفاظ : هذا الدعاء رواه الشافعي عن بعض من مضى من أهل العلم فذكره ، (الخامس : إذا دخل المسجد الحرام فليدخل من باب بني شيبة ) روى الطبراني من حديث ابن عمر دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخلنا معه من باب بني عبد مناف وهو الذي يسميه الناس باب بني شيبة وخرجنا معه من باب الحزورة ، وهو من باب الخياطين وفي إسناده عبد الله بن نافع وفيه ضعف وقال البيهقي : رويناه عن ابن جريج عن عطاء قال : يدخل الحرم من حيث شاء ودخل النبي صلى الله عليه وسلم من باب بني شيبة وخرج من باب بني مخزوم إلى الصفا قال الرافعي : وقد أطبقوا على استحبابه لكل قادم لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد منه قصدا لا اتفاقا لأنه لم يكن على طريقه وإنما كان على طريقة باب إبراهيم والدوران حول المسجد لا يشق بخلاف الدوران حول البلد وكان المعنى فيه أن ذلك الباب من جهة باب الكعبة والركن الأسود كذا قاله الرافعي وقال أصحابنا : والسر في ذلك أن نسبة باب البيت إلى البيت كنسبة وجه الإنسان إلى الإنسان ، والأدب أن يقصد الإنسان من جهة وجهه وكذا [ ص: 344 ] تقصد الكعبة من جهة بابها (وليقل) أي بعد أن يقدم رجله اليمنى (بسم الله وبالله ومن الله وإلى الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا قرب من البيت قال : الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أما يشركون اللهم صل على محمد عبدك ونبيك ورسولك وعلى إبراهيم خليلك وعلى جميع أنبيائك ورسلك وليرفع يديه) وهو مستقبل البيت فقد أخرج أبو داود من طريق عبيد الله بن أبي يزيد أن عبد الرحمن بن طارق أخبره عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جاز من دار يعلى نسيه عبيد الله استقبل البيت فدعا ، وتقدم قبل هذا أن الشافعي أخرج عن سعيد بن سالم عن ابن جريج كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نظر إلى البيت رفع يديه الحديث ، وأخرجه عن ابن عباس أنه كان يرفع يديه في المواطن فذكر فيها : وإذا رأى البيت .

وأخرج سعيد بن منصور عن طلحة بن مطرف قال : ترفع الأيدي في ثمانية مواطن ثم ذكر ما تقدم ، ورواه الشافعي بسنده عن مقسم مولى عبد الله بن الحرث عن النبي صلى الله عليه وسلم هكذا أخرجه البيهقي مرسلا قال : وقال يعني الشافعي في الإملاء : وليس في رفع اليدين شيء أكرهه ولا أستحبه عند رؤية البيت وهو عندي حسن قال البيهقي : وكأنه لم يعتمد على الحديث لانقطاعه وقد رواه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس وعن نافع عن ابن عمر موقوفا ومرة مرفوعا هذا آخر كلامه وأخرجه الأزرقي في تاريخ مكة ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم والرفع في الدعاء معلوم نصا عن طاوس قال : "لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم البيت رفع يديه فوقع زمام ناقته فأخذه بشماله ورفع يده اليمنى " وهذه الآثار وإن كان بعضها مرسلا وبعضها موقوفا فإذا انضمت إلى المتصل أكد بعضها بعضا قال البغوي : وروي ذلك عن ابن عمر وابن عباس وبه قال سفيان وابن المبارك وأحمد وإسحاق وأما ما رواه أبو داود من حديث جابر أنه سئل عن الرجل يرى البيت فيرفع يديه فقال : ما كنت أرى أحدا يفعل هذا إلا اليهود حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نكن نفعله وما رواه الأزرقي في التاريخ عن عثمان بن الأسود قال : كنت مع مجاهد فخرجنا من باب المسجد فاستقبلت الكعبة فرفعت يدي فقال لي : لا تفعل إن هذا من فعل اليهود ففيما رواه الشافعي مرسلا وموقوفا ومتصلا رد على قول جابر ومجاهد قال البيهقي : وليس في حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم ففي ما أثبتوه من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولا نفي ما أثبت من رواية مقسم من قوله صلى الله عليه وسلم إنما في حديث جابر نفي فعله وفعل رفقائه ولو صرح بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفعله وأثبته غيره كان القول قول المثبت والله أعلم (وليقل اللهم إني أسألك في مقامي هذا في أول مناسكي أن تتقبل توبتي وتتجاوز عن خطيئتي وتضع عني وزري) ثم ليقل إثر ذلك (الحمد لله الذي بلغني بيته الحرام الذي جعله مثابة للناس وأمنا وجعله مباركا وهدى للعالمين اللهم إني عبدك والبلد بلدك والحرم حرمك والبيت بيتك جئت أطلب رحمتك أسألك مسألة المضطر الخائف عقوبتك الراجي رحمتك الطالب مرضاتك) وفي النوازل لأصحابنا إذا دخل الحرم يقول : اللهم هذا البيت بيتك وهذا الحرم حرمك والعبد عبدك فوفقني لما تحب وترضى . . أهـ .




الخدمات العلمية