الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
السادس : أن تقصد الحجر الأسود بعد ذلك وتمسه بيدك اليمنى وتقبله وتقول اللهم أمانتي أديتها وميثاقي وفيته اشهد لي بالموافاة فإن لم يستطع التقبيل وقف في مقابلته ويقول ذلك ثم لا يعرج على شيء دون الطواف وهو طواف القدوم إلا أن يجد الناس في المكتوبة فيصلي معهم ثم يطوف .

التالي السابق


(السادس : أن يقصد الحجر الأسود) هكذا جاء وصفه في عبارات الفقهاء باعتبار ما عليه الآن من لونه فقد أخرج الترمذي وصححه عن ابن عباس مرفوعا : "نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضا من اللبن فسودته خطايا بني آدم " قال الحافظ ابن حجر : وقد طعن بعض الملحدة كيف سودته الخطايا ولم تبيضه الطاعات أجيب بأن الله تعالى أجرى عادته أن السواد يصبغ ولا ينصبغ وبأن في ذلك عظة ظاهرة هي تأثير الذنوب في الحجارة السود فالقلوب أولى كذا أخرج الجندي في فضائل مكة بسند ضعيف عن ابن عباس إنما غير بالسواد لئلا ينظر أهل الدنيا لزينة الجنة فإذا ثبت هذا فهو الجواب . . أهـ .

وأخرج أبو عبيد القاسم بن سلام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "الحجر الأسود يمين الله في الأرض " ورواه أبو الطاهر المخلص في فوائده في الجزء الثاني من التاسع وزاد : فمن لم يدرك بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 345 ] يمسح الحجر فقد بايع الله ورسوله ، ورواه ابن الجوزي في "مثير العزم " موقوفا على ابن عباس (بعد ذلك) أي بعد أن يأتي بتلك الأدعية المأثورة (ويمسه بيده اليمنى ويقبله) أما ما مسه بيده اليمنى فهو استلامه ، أخرج الحاكم من حديث أبي جعفر الباقر عن جابر أنه صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فبدأ بالحجر فاستلمه وفاضت عيناه بالبكاء ، وقوله : ويقبله أي الحجر بشفتيه إن أمكن من الزحمة ففي حديث ابن عمر : ثم وضع شفتيه عليه طويلا يبكي رواه الشافعي ، وقد تقدم بطوله وإن زوحم فيقبل يده بعد وضعها عليه ففي الصحيحين عن ابن عمر : أنه استلم الحجر بيده ثم قبل يده وقال : ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله .

وأخرج الدارقطني عن عطاء قال : رأيت أبا سعيد وأبا هريرة وابن عمر وجابر بن عبيد الله إذا استلموا الحجر قبلوا أيديهم .

وأخرج سعيد بن منصور عن القاسم بن محمد أنه كان إذا استلم الحجر وضع يده على أنفه وفمه .

وأخرج الأزرقي عن عبد الله بن يحيى السهمي قال : رأيت عطاء بن أبي رباح وعكرمة بن خالد وابن أبي مليكة يستلمون الركن الأسود واليماني ويقبلون أيديهم ويمسحون بها وجوههم وربما استلموا ولا يمسحون بها أفواههم ولا وجوههم وعن عبيد بن أبي زياد قال : رأيت عطاء ومجاهدا وسعيد بن جبير إذا استلموا الركن قبلوا أيديهم وعن ابن جريج قال عمرو بن دينار : جفا من استلم الركن ولم يقبل يده ، قال الطبري : والعمل عندنا أن يضع يده على الحجر ثم يضعها على فيه وكذلك هو عند جمهور أهل العلم إلا مالكا في أحد قوليه قال : لا يقبل يده وكذلك القاسم بن محمد . . أهـ .

ونقل الرافعي عن مالك : لا يقبل يده فيهما ولكنه بعد الاستلام يضع يده على فمه (ويقول اللهم أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته اشهد لي بالموافاة) يشير بذلك إلى ما رواه الأزرقي عن مجاهد قال : "يأتي الركن والمقام يوم القيامة كل واحد منهما مثل أبي قبيس يشهدان لمن وافاهما بالموافاة " وتقدم الكلام على ذلك قريبا بأبسط مما هنا ونقل الطبري هذا الدعاء عن المصنف عند استلام الحجر وكذا عند كل ركن وعند الباب أدعية وقال لم أعرف لأكثرها أصلا قلت والوارد المأثور فيه هو الذي سيذكره في ابتداء الطواف كما سيأتي ذكره قريبا (فإن لم يستطع التقبيل فليقف في مقابلته وليقل ذلك) قال الرافعي : ومن السنن أن يستلم الحجر الأسود بيده في ابتداء الطواف ويقبله ويضع جبهته عليه فإن منعته الزحمة من التقبيل اقتصر على الاستلام فإن لم يمكن اقتصر على الإشارة باليد ولا يشير إلى التقبيل . . أهـ . وهكذا ذكره أصحابنا أن الاستلام وهو لمس الحجر بيده أو كفه وتقبيله إن قدر بلا إيذاء لما أخرج أحمد وإسحاق والطحاوي عن سعيد بن المسيب عن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : يا عمر إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف إن وجدت خلوة فاستلمه وإلا فاستقبله وهلل وكبر فالاستلام سنة والتحرز عن الإيذاء واجب وأورد عليه أن كف النظر عن العورة واجب وقد يترك سنة الختان وأجيب بأن الختان من سنن الهدى وبأنه لا خلف له بخلاف الاستلام قال بعض المتأخرين والصواب أن يقال : وجوب الكف مقيد بغير الضرورة والختان عنها (ثم لا يعرج على شيء دون الطواف وهو طواف القدوم ) ويسمى طواف التحية وطواف اللقاء (إلا أن يجد الناس في الصلاة المكتوبة فيصلي معهم ثم يطوف) وجدت بخط الشيخ شمس الدين أي : الحريري ما نصه هو كذلك في غير حق المتمتع أما المتمتع فإنما يطوف للعمرة ويجزئه عن طواف القدوم ولو وقف أولا فليس في حقه طواف قدوم لدخول وقت الطواف المفروض . . أهـ . أي إن دخل بعد نصف ليلة النحر .




الخدمات العلمية