الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ثم إذا فرغ من أشغاله وعزم على الخروج من المدينة فالمستحب أن يأتي القبر الشريف ويعيد دعاء الزيارة كما سبق ويودع رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسأل الله عز وجل أن يرزقه العودة إليه ويسأل السلامة في سفره .

ثم يصلي ركعتين في الروضة الصغيرة وهي موضع مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن زيدت المقصورة في المسجد فإذا خرج فليخرج رجله اليسرى أولا ، ثم اليمنى وليقل : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، ولا تجعله آخر العهد بنبيك وحط أوزاري بزيارته وأصحبني في سفري السلامة ويسر رجوعي إلى أهلي ووطني سالما ، يا أرحم الراحمين وليتصدق على جيران رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قدر عليه وليتتبع المساجد التي بين المدينة ومكة فيصلي ، فيها ، وهي عشرون موضعا .

التالي السابق


(ثم إذا فرغ من أشغاله) وحوائجه، وعزم على الخروج من المدينة فالمستحب أن يأتي للقبر الشريف، ويعيد دعاء الزيارة كما سبق بعينه، (ويودع رسول الله صلى الله عليه وسلم) قائلا: الوداع يا رسول الله (ويسأل الله تعالى أن يرزقه العودة) ، أي: الرجوع (إليه) مرة أخرى، (ويسأل السلامة في سفره) ، عن الموانع والشدائد ويدعو مهما أحب (ثم يصلي ركعتين في الروضة الصغيرة وهو موضع مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن زيدت المقصورة في المسجد) .

وقد تقدم من حديث ابن عمران: عمر زاد في القبلة إلى موضع المقصورة، (فإذا خرج) من المسجد، (فليخرج رجله اليسرى أولا، ثم اليمنى) ، كما هو السنة (وليقل: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، ولا تجعله آخر العهد بنبيك) صلى الله عليه وسلم، (وحط أوزاري بزيارته واصحبني في سفري) ، إشارة إلى الدعاء المروي: اللهم أنت الصاحب في السفر (ويسر رجوعي إلى وطني، واجعلني من السالمين يا أرحم الراحمين) ، يقول هذا الدعاء في حالة خروجه من المسجد الشريف، (وليتصدق على جيران رسول الله صلى الله عليه وسلم) ، وهم المجاورون بها من المتأهلين والعزاب (بما قدر عليه) ، واستطاع من كثير أو قليل، (وليتبع المساجد التي بين المدينة ومكة، ويصلي فيها، وهي عشرون موضعا) ، قال البخاري في صحيحه: باب المساجد التي على طرق المدينة والمواضع التي فيها صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم.

حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، حدثنا فضيل بن سليمان، حدثنا موسى بن عقبة، قال: رأيت سالم بن عبد الله يتحرى أماكن من الطريق، فيصلي فيها، ويحدث أن أباه كان يصلي فيها، وأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في تلك الأمكنة، وحدثني نافع، عن ابن عمر أنه كان يصلي في تلك الأمكنة، وسألت سالما فلا أعلمه إلا وافق نافعا في الأمكنة كلها إلا أنهما اختلفا في مسجد بشرف الروحاء، حدثنا إبراهيم بن المنذر، حدثنا أنس بن عياض، حدثنا موسى بن عقبة، عن نافع أن عبد الله أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينزل بذي الحليفة حين يعتمر، وفي حجته حين حج تحت سمرة في موضع المسجد الذي بذي الحليفة، وكان إذا رجع من غزو كان في تلك الطريق، أو في حج، أو عمرة هبط من بطن واد فإذا ظهر من بطن وإذ أناخ بالبطحاء التي على شفير الوادي الشرقية فعرس ثم حتى يصبح ليس عند المسجد الذي بحجارة، ولا على الأكمة التي عليها المسجد، كان ثم خليج يصلي عبد الله عنده في بطنه كثب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يصلي فدحا السيل فيه بالبطحاء حتى دفن ذلك المكان الذي كان عبد الله يصلي فيه، وإن عبد الله بن عمر حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى حيث المسجد الصغير الذي دون المسجد الذي بشرف الروحاء، وقد كان عبد الله يعلم المكان الذي فيه النبي صلى الله عليه وسلم يقول، ثم عن يمينك حين تقوم في المسجد تصلي، وذلك المسجد على حافة الطريق اليمنى وأنت ذاهب إلى مكة بينه وبين المسجد الأكبر رمية بحجر، أو نحو ذلك، وإن عمر كان يصلي إلى العرق الذي عند منصرف الروحاء، وذلك العرق انتهاء طرفه على حافة الطريق دون المسجد الذي بينه وبين المنصرف، وأنت ذاهب إلى مكة، وقد ابتني ثم [ ص: 429 ] مسجد فلم يكن عبد الله يصلي في ذلك المسجد كان يتركه على يساره، ووراءه، ويصلي أمامه إلى العرق نفسه، وكان عبد الله يروح من الروحاء فلا يصلي الظهر حتى يأتي ذلك المكان، فيصلي فيه الظهر، وإذا أقبل من مكة فإن مر به قبل الصبح بساعة أو من آخر السحر عرس حتى يصلي بها الصبح، وإن عبد الله حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينزل تحت سرحة وضخمة دون الرويثة، عن يمين الطريق ووجاه الطريق في مكان بطح سهل حتى يفضي من أكمة دوين بريد الرويثة بميلين، وقد انكسر أعلاها فانثنى في جوفها، وهي قائمة على ساق، في ساقها كثب كثيرة، وإن عبد الله بن عمر حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في طرف تلعة من وراء العرج، وأنت ذاهب إلى هضبة عند ذلك المسجد قبران أو ثلاثة على القبور رضم من حجارة، عن يمين الطريق عند سلمات الطريق بين أولئك السلمات كان عبد الله يروح من العرج بعد أن تميل الشمس بالهاجرة، فيصلي الظهر في ذلك المسجد، وأن عبد الله بن عمر حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عند سرحات، عن يسار الطريق في مسيل دون هرشى ذلك المسيل لاصق بكراع هرشى بينه وبين الطريق قريب من غلوة، وكان عبد الله يصلي إلى سرحة هي أقرب السرحات إلى الطريق، وهي أطولهن، وإن عبد الله بن عمر حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينزل في المسيل الذي في أدنى مر الظهران قبل المدينة حين يهبط من الصفراوات ينزل في بطن ذلك المسيل، عن يسار الطريق، وأنت ذاهب إلى مكة ليس بين منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الطريق إلا رمية بحجر، وأن عبد الله بن عمر حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينزل بذي طوى، ويبيت بها حتى يصبح يصلي الصبح حين يقدم مكة، ومصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك على أكمة غليظة ليس في المسجد الذي بني ثم، ولكن أسفل من ذلك على أكمة غليظة، وإن عبد الله حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم استقبل فرضتي الجبل الذي بينه وبين الجبل الطويل نحو الكعبة، فجعل المسجد الذي بني ثم يسار المسجد بطرف الأكمة، ومصلى النبي صلى الله عليه وسلم أسفل منه على الأكمة السوداء، تدع من الأكمة عشرة أذرع أو نحوها، ثم تصلي مستقبل الفرضتين من الجبل الذي بينك وبين الكعبة اهـ .

نص البخاري رحمه الله تعالى، وإنما كان ابن عمر يصلي في هذه المواضع للتبرك، وهذا لا ينافي ما روي من كراهة أبيه عمر لذلك; لأنه محمول على اعتقاد من لا يعرف وجوب ذلك وابنه عبد الله مأمون من ذلك، وكان عمر - رضي الله عنه - يقول: إن هذه المساجد التي صلى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليست من المشاعر ولا لاحقة بالمساجد الثلاثة في التعظيم، ثم إن هذه المساجد المذكورة لا يعرف منها اليوم غير مسجد ذي الحليفة، ومساجد الروحاء يعرفها أهل تلك الناحية، وفي سياق البخاري: المذكورة تسعة أحاديث أخرجها الحسن بن سفيان في مسنده معرفة إلا أنه لم يذكر الثالث، وأخرج مسلم الأخير في كتاب الحج، والله أعلم .




الخدمات العلمية