الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ويستحب أن يقرأ قبل غروب الشمس والشمس وضحاها ، والليل إذا يغشى ، والمعوذتين ولتغرب الشمس عليه وهو في الاستغفار فإذا سمع الأذان قال : " اللهم هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك وأصوات دعاتك " كما سبق ثم يجيب المؤذن ويشتغل بصلاة المغرب وبالغروب قد انتهت أوراد النهار فينبغي أن يلاحظ العبد أحواله ، ويحاسب نفسه فقد انقضى من طريقه مرحلة فإن ساوى يومه أمسه فيكون مغبونا وإن ، كان شرا منه فيكون ملعونا فقد قال صلى الله عليه وسلم : " لا بورك لي في يوم لا أزداد فيه خيرا " فإن رأى نفسه متوفرا على الخير جميع نهاره ، مترفها عن التجشم كانت بشارة فليشكر الله تعالى على توفيقه وتسديده إياه لطريقه وإن تكن الأخرى فالليل خلفه النهار فليعزم على تلافي ما سبق من تفريطه فإن الحسنات يذهبن السيئات وليشكر الله تعالى على صحة جسمه وبقاء بقية من عمره طول ليله ليشتغل بتدارك تقصيره وليحضر في قلبه أن : نهار العمر له آخر تغرب فيه شمس الحياة ، فلا يكون لها بعدها طلوع وعند ذلك يغلق باب التدارك والاعتذار ، فليس العمر إلا أياما معدودة تنقضي لا محالة جملتها بانقضاء آحادها .

التالي السابق


( ويستحب أن يقرأ قبل الغروب) السورتين ( والشمس وضحاها، والليل إذا يغشى، والمعوذتين) لما في كل منها من ذكر الشمس والليل والغروب والفلق والغاسق، وغير ذلك مما يناسب الوقت .

( ولتغرب الشمس عليه وهو في الاستغفار) [ ص: 150 ] فذلك مما أمر به في هذا الوقت من الأذكار، وروى الديلمي من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال مرفوعا: "من استغفر إذا وجبت الشمس سبعين مرة غفر الله له سبعمائة ذنب" ولا يذنب مؤمن إن شاء الله في يومه وليله سبعمائة ذنب، وكل ما يستحب من التسبيح والتحميد والدعاء والذكر في أول النهار قبل طلوع الشمس فإنه يستحب في هذا الورد قبل الغروب؛ لأن الله تعالى قد قرنهما بالذكر في عدة آيات .

( فإذا سمع الأذان) أي: أذان المغرب ( قال: "اللهم هذا إقبال ليلك وأدبار نهارك") "وأصوات دعائك، وحضور صلواتك، وشهود ملائكتك، صل يا رب على محمد وعلى آله، وأعطه الفضيلة والوسيلة والمقام المحمود الذي وعدته" ( كما سبق) في كتاب الصلاة .

( ثم يجيب المؤذن) بما تقدم ذكره في كتاب الصلاة، وليقل: "رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا" ثلاثا، وكذلك يقول عند أذان الغداة، إلا أنه يقول: "إدبار ليلك، وإقبال نهارك" والنص بهذا في صلاة المغرب؛ فلذلك اقتصر عليه المصنف ( ويشتغل بصلاة المغرب) مع الجماعة .

( وبالغروب) أي: إذا توارت بالحجاب ( قد انتهت أوراد النهار) السبعة ( فينبغي أن يلاحظ العبد أحواله، ويحاسب نفسه) ويدقق عليها، ماذا انقضى له معها؟ وماذا انقضى منه عندها؟ وماذا قضى عليه فيها؟

( فقد انقضى من طريقه مرحلة) ونقص من أيامه يوم، فماذا قطع في سفره بقطع رحلته؟ وماذا ازداد في غده ما نقص من يومه؟ ( فهل ساوى يومه أمسه فيكون مغبونا، أو كان شرا منه فيكون ملعونا) والناس على وفاق: شار نفسه فمعتقها أو راهنها فموبقها، وقال تعالى: إن سعيكم لشتى وقال تعالى: كل نفس بما كسبت رهينة .

وأشار المصنف بسياقه إلى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "من استوى يوماه فهو مغبون، ومن كان آخر يوميه شرا فهو ملعون، ومن لم يكن على الزيادة فهو في النقصان، فالموت خير له، ومن اشتاق إلى الجنة سارع في الخيرات" رواه الديلمي من حديث محمد بن سوقة، عن الحارث، عن علي -رضي الله عنه- وسنده ضعيف .

( وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا بورك لي في يوم لا أزداد فيه خيرا") تقدم في الباب الأول من كتاب العلم، إلا أنه قال: "علما" بدل "خيرا" .

( فإن رأى نفسه متوفرا على الخير) مقبلا عليه ( جميع نهاره، مترفها عن التجشم) أي: المشقة ( كانت بشارة فليشكر الله على توفيقه) له ( وتسديده إياه لطريقه) حيث أعانه على فعل الخير ( وإن تكن الأخرى فالليل خلفة النهار) وفي بعض النسخ: خلفة سيار ( فليعزم على تلافي ما سبق) أي: تداركه ( من تفريطه فإن الحسنات يذهبن السيئات) كما في الكتاب العزيز، وفي السنة الصحيحة: "وأتبع السيئة الحسنة تمحها".

( فليشكر الله على صحة جسمه) وسلامة بدنه ( وبقاء بقية عمره إلى أول ليله) وفي نسخة: طول الليل ( ثم يشتغل بتدارك تقصيره) في أعمال الجوارح والقلب ( وليحضر قلبه: إن نهار العمر ولو طال) وامتد ( له آخر تغرب فيه شمس الحياة، فلا يكون له بعدها طلوع) أبدا ( وعند ذلك يغلق باب التدارك، و) يسد وجه ( الاعتذار) فلا يمكنه التلافي، ولا تقبل المعذرة ( فليس العمر) إذا حققت ( إلا أياما معدودة) وساعات معلومة ( تنقضي لا محالة جملتها بانقضاء آحادها) فإن استربت ذلك فانظر من سلفك كيف كانوا وإلى أين صاروا!

اللهم اختم لنا منك بخير يا أرحم الراحمين، وقد دخلت أوراد الليل الخمس، فتدارك الآن فيما يستقبل من الليل ما فات فيما مضى من النهار، وقد روى أبو هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أن الله -عز وجل- يبغض كل جعظري جواظ صخاب بالأسواق، جيفة بالليل، حمار بالنهار، عالم بأمر الدنيا، جاهل بأمر الآخرة".




الخدمات العلمية