الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
فإذن الناس وإن اختلفت طرقهم في العبادة فكلهم على الصواب أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب وإنما يتفاوتون في درجات القرب لا في أصله وأقربهم إلى الله تعالى أعرفهم به وأعرفهم به لا بد وأن يكون أعبدهم له فمن عرفه لم يعبد غيره والأصل في الأوراد في حق كل صنف من الناس المداومة فإن المراد منه تغيير الصفات الباطنة وآحاد الأعمال يقل آثارها ، بل لا يحس بآثارها وإنما يترتب الأثر على المجموع فإذا لم يعقب العمل الواحد أثرا محسوسا ولم يردف بثان وثالث على القرب انمحى الأثر الأول وكان كالفقيه يريد أن يكون فقيه النفس ، فإنه لا يصير فقيه النفس إلا بتكرار كثير فلو بالغ ليلة في التكرار وترك شهرا أو أسبوعا ثم عاد وبالغ ليلة لم يؤثر هذا فيه ولو وزع ذلك القدر على الليالي المتواصلة لأثر فيه ، ولهذا السر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل " وسئلت عائشة رضي الله عنها عن عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : كان عمله ديمة ، وكان إذا عمل عملا أثبتهولذلك قال صلى الله عليه وسلم : " من عوده الله عبادة فتركها ملالة مقته الله " وهذا كان السبب في صلاته بعد العصر تداركا لما فاته من ركعتين شغله عنهما الوفد ، ثم لم يزل بعد ذلك يصليهما بعد العصر ، ولكن في منزله لا في المسجد كيلا يقتدى به روته ، عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما

التالي السابق


(فإذا الناس وإن اختلفت طرقهم في العبادة فكلهم على الصراط) السوي قال الله تعالى: ( أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ) أي: أكثر قربا (وإنما يتفاوتون في درجات القرب لا في أصله [ ص: 178 ] وأقربهم إلى الله عز وجل أعرفهم به) فدرجات القرب مختلفة بقدر المعرفة، (وأعرفهم به لا بد وأن يكون أعبدهم له) أي: أكثرهم عبادة له بأنواعها، (فمن عرفه لم يعبد غيره) وإليه الإشارة في آية الكهف المتقدمة: وما يعبدون إلا الله وفي قوله تعالى: إياك نعبد ومن ظن أنه قد استغنى عن الطاعة فهو زنديق; قال الله تعالى: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله (والأصل في الأوراد في حق كل صنف من الناس المداومة) ، فإن من ليس له ورد فما له من الموارد أمداد، (فإن المراد منها تغيير صفات الباطن) المذمومة بالمحمود، وتهذيب الظاهر بأنوار الشريعة، (وآحاد الأعمال يقل آثاره، بل لا يحس له بأثر) .وفي نسخة: " تقل آثارها لا يحس بآثارها" (وإنما ترتيب الآثار على المجموع) .وفي نسخة: " وإنما يترتب على المجموع" (فإذا لم يعقب العمل الواحد أثرا محسوسا ولم يردف بثان ولا ثالث على القرب إنما هي أثر الأول) سريعا (وكان كالفقيه الذي يريد أن يكون فقيه النفس، فإنه لا يصير فقيه النفس إلا بتكرار كثير) ومزاولة شديدة، (فلو بالغ ليلة في التكرار) بأعمال الهمة والشوق (وترك شهرا أو أسبوعا ثم عاد وبالغ ليلة لم يؤثر هذا فيه) تأثيرا نافعا، (ولو وزع ذلك القدر على الليالي المتواصلة) بعضها ببعض (لأثر فيه، ولهذا السر قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:" أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل") العمل المداوم عليه لأن النفس تالفة فيدوم بسببها الإقبال على الحق، ولأن تارك العمل بعد الشروع كالمعرض بعد الوصول، والحديث متفق عليه عن عائشة - رضي الله عنها - (وسئلت عائشة - رضي الله عنها - عن عمل النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: كان عمله ديمة، وكان إذا عمل عملا أثبته) أي: أحكم عمله بأن يعمل في كل شيء بحيث يدوم دوام أمثاله، رواه مسلم وأبو داود من حديث عائشة - رضي الله عنها - (ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: " من عوده الله عز وجل عبادة فتركها ملالة مقته الله تعالى") تقدم في الصلاة، وهو موقوف على عائشة، قال العراقي: قلت: وتقدم أيضا أنه رواه ابن السني في رياضة المتعبدين (وهذا هو السبب في صلاته -صلى الله عليه وسلم- بعد العصر تداركا لما فاته من ركعتين شغله عنها الوفد، ثم لم يزل بعد ذلك يصليهما بعد العصر، ولكن في منزله لا في المسجد كي لا يقتدى به، وروت ذلك عائشة وأم سلمة -رضي الله عنهما-) قال العراقي: متفق عليه من حديث أم سلمة: أنه صلى بعد العصر ركعتين، وقال: شغلني ناس من عبد القيس عن الركعتين بعد الظهر، ولها من حديث عائشة: ما تركهما حتى لقي الله عز وجل، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصليهما ولا يصليهما في المسجد مخافة أن يثقل على أمته. اهـ .

قلت: ولفظ حديث أم سلمة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى ركعتين بعد العصر، فلما انصرف قال لي: سألت عن الركعتين بعد العصر: إنه أتاني ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم، فشغلوني عن اللتين بعد الظهر، فهما هاتان بعد العصر، هكذا هو سياق الشيخين، وهذا مختصر .

وأما لفظ حديث عائشة عندهما: ما ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- السجدتين بعد العصر عندي قط.

وعند مسلم: كان يصلي ركعتين قبل العصر، ثم إنه شغل عنهما أو نسيهما، فصلاهما بعد، ثم أثبتهما، وكان إذا صلى صلاة أثبتها.

وذكر ابن حزم أن حديث هاتين الركعتين نقل نقل تواتر، فوجب العلم .




الخدمات العلمية