الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وقال صلى الله عليه وسلم ما من امرئ تكون له صلاة بالليل فغلبه عليها النوم إلا كتب له أجر صلاته ، وكان نومه صدقة عليه وقال صلى الله عليه وسلم لأبي ذر لو أردت سفرا أعددت له عدة قال : نعم . قال : فكيف سفر طريق القيامة ؟! ألا أنبئك يا أبا ذر بما ينفعك ذلك اليوم ؟ قال : بلى ، بأبي أنت وأمي . قال : صم يوما شديد الحر ليوم النشور ، وصل ركعتين في ظلمة الليل لوحشة القبور ، وحج حجة لعظائم الأمور ، وتصدق بصدقة على مسكين ، أو كلمة حق تقولها ، أو كلمة شر تسكت عنها وروي أنه كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم رجل إذا أخذ الناس مضاجعهم وهدأت العيون قام يصلي ويقرأ القرآن ، ويقول : يا رب النار ، أجرني منها ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : إذا كان ذلك فآذنوني فأتاه فاستمع فلما أصبح قال : يا فلان ، هلا سألت الله الجنة ؟! قال : يا رسول الله إني لست هناك ، ولا يبلغ عملي ذاك ، فلم يلبث إلا يسيرا حتى نزل جبرائيل عليه السلام وقال : أخبر فلانا أن الله قد أجاره من النار وأدخله الجنة ويروى أن جبرائيل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم : نعم الرجل ابن عمر ، لو كان يصلي بالليل ، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، فكان يداوم بعده على قيام الليل قال نافع كان يصلي بالليل ثم يقول : يا نافع أسحرنا فأقول لا، فيقوم لصلاته ثم يقول: يا نافع أسحرنا؟ فأقول: نعم؛ فيقعد فيستغفر الله تعالى حتى يطلع الفجر وقال علي بن أبي طالب شبع يحيى بن زكريا عليهما السلام من خبز شعير فنام عن ورده حتى أصبح فأوحى الله تعالى ، إليه : يا يحيى ، أوجدت دارا خيرا لك من داري ؟ أم وجدت جوارا خيرا لك من جواري ؟ فوعزتي وجلالي يا يحيى لو اطلعت إلى الفردوس اطلاعه لذاب شحمك ولزهقت نفسك اشتياقا ولو اطلعت إلى جهنم اطلاعة لذاب شحمك ولبكيت الصديد بعد الدموع ، ولبست الجلد بعد المسوح وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن فلانا يصلي بالليل ، فإذا أصبح سرق فقال : سينهاه ما يعمل وقال صلى الله عليه وسلم : رحم الله رجلا قام من الليل فصلى ، ثم أيقظ امرأته ، فصلت ، فإن أبت نضح في وجهها الماء وقال صلى الله عليه وسلم: رحم ، الله امرأة قامت من الليل فصلت ، ثم أيقظت زوجها فصلى ، فإن أبى نضحت في وجهه الماء وقال صلى الله عليه وسلم : من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين ، كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات وقال صلى الله عليه وسلم: أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل .

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : قال صلى الله عليه وسلم : من نام عن حزبه أو عن شيء منه بالليل ، فقرأه بين صلاة الفجر والظهر كتب له كأنما قرأه من الليل

التالي السابق


(وقال -صلى الله عليه وسلم- ما من امرئ تكون له صلاة بالليل يغلبه عليها نوم إلا كتب له أجر صلاته، وكان نومه صدقة عليه) . قال العراقي : ورواه أبو داود والنسائي من حديث عائشة ، وفيه رجل لم يسم، وسماه النسائي في رواية الأسود بن يزيد، لكن في طريقه أبو جعفر [ ص: 187 ] الرازي قال النسائي : وليس بالقوي، ورواه النسائي وابن ماجه من حديث أبي الدرداء نحوه بسند صحيح، وتقدم في الباب قبل، اهـ. قلت: وكذلك رواه ابن ماجه، ولفظه: " فيغلب عليها نوم إلا كتب الله له " والباقي سواء .

(وقال -صلى الله عليه وسلم- لأبي ذر -رضي الله عنه-: لو أردت سفرا أعددت) أي: هيأت (له عدة) وهذا في أسفار الدنيا (قال: نعم. قال: فكيف سفر طريق القيامة؟!) أي: فإنه طويل وصعب (ألا أنبئك يا أبا ذر ما ينفعك ذلك اليوم؟ قال: بلى، بأبي أنت وأمي. قال: صم يوما شديد الحر ليوم النشور، وصل ركعتين في ظلمة الليل لوحشة القبور، وحج حجة لعظائم الأمور، وتصدق صدقة على مسكين، أو كلمة حق تقولها، أو كلمة شر تسكت عنها) قال العراقي : رواه ابن أبي الدنيا في كتاب " التهجد " من رواية السري بن مخلد مرسلا، والسري ضعفه الأزدي. اهـ .

(وروي أنه كان على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل إذا أخذ الناس مضاجعهم وهدأت العيون) أي: سكنت ونامت (قام يصلي ويقرأ القرآن، ويقول: يا رب النار، أجرني منها، فذكر ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إذا كان ذلك فآذنوني) أي: أعلموني (فآتاه) فآذنوه فأتاه (فاستمع فلما أصبح قال: يا فلان، هلا سألت الله الجنة؟! قال: يا رسول الله إني لست هناك، ولا يبلغ عملي ذلك، فلم يلبث إلا يسيرا حتى نزل جبريل عليه السلام، فقال: أخبر فلانا أن الله عز وجل أجاره من النار وأدخله الجنة) . قال العراقي : لم أقف له على أصل، (ويروى أن جبريل قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: نعم الرجل ابن عمر، لو كان يصلي بالليل، فأخبره النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك، فكان يداوم بعده على قيام الليل) . قال العراقي : متفق عليه من حديث ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال ذلك وليس فيه ذكر جبريل، اهـ .

قلت: وكذلك رواه أحمد ، ولفظهم: نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل، رواه عن ابن عمر عن حفصة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فحفصة هي التي أخبرت عبد الله بقوله -صلى الله عليه وسلم- المذكور .

(قال نافع) مولى ابن عمر : (كان) ابن عمر (يصلي بالليل ثم يقول: يا نافع أسحرنا) أي: دخلنا في السحر، (فيستغفر حتى يطلع الفجر) ، نقله صاحب "القوت" .

(وقال علي بن أبي الخير) -رحمه الله تعالى - (شبع يحيى بن زكريا عليهما السلام من خبز شعير) مرة (فنام عن ورده حتى أصبح، فأوحي إليه: يا يحيى، أوجدت دارا خيرا لك من داري؟ أم وجدت جوارا خيرا لك من جواري ؟ فوعزتي وجلالي يا يحيى لو اطلعت على الفردوس) إحدى الجنان الثمانية (اطلاعة لذاب جسمك) . وفي نسخة: شحمتك (ولزهقت) أي: خرجت (نفسك اشتياقا) له، (ولو اطلعت إلى جهنم اطلاعة لذاب شحمك ولبكيت الصديد) الماء الأصفر (بعد الدموع، ولبست الحديد بعد المسوح) جمع مسح بالكسر، هو الصوف الأسود (وقيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن فلانا يصلي بالليل، فإذا أصبح سرق، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: سينهاه ما يعمل) قال العراقي : رواه ابن حبان من حديث أبي هريرة . اهـ .

وفيه الإشارة إلى قوله تعالى: إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر .

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: رحم الله رجلا قام من الليل يصلي، ثم أيقظ امرأته، فصلت، فإن أبت نضح) أي: رش (في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت، ثم أيقظت زوجها فصلى، فإن أبى نضحت في وجهه الماء) قال العراقي : رواه أبو داود وابن حبان من حديث أبي هريرة . اهـ .

قلت: وكذلك رواه أحمد والنسائي وابن ماجه وابن جرير والحاكم (وقال -صلى الله عليه وسلم-: من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين، كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات) قال العراقي : رواه أبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة وأبي سعيد [ ص: 188 ] بسند صحيح، اهـ .

قلت: وكذلك رواه الحاكم والبيهقي بلفظ: فصليا ركعتين جميعا كتبا ليلتئذ، والباقي سواء (وقال عمر -رضي الله عنه-: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: من نام عن حزبه أو عن شيء منه بالليل، فقرأه ما بين صلاة الفجر والظهر كتب له كما لو قرأه من الليل) ، قال العراقي : رواه مسلم، قلت: وكذلك رواه أحمد ، والدارمي ، وابن خزيمة ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه ، وأبو يعلى، وابن حبان عن ابن عمر ، ولفظ حديث عمر عند أبي نعيم في " الحلية ": " من نام عن حزبه، وقد كان يريد أن يقوم به، فإن نومه صدقة تصدق الله به عليه، وله أجر ".




الخدمات العلمية