فإياك أن يكون حظك من هذا العلم إنكار ما جاوز حد قصورك ففيه هلك المتحذلقون من العلماء الزاعمون أنهم أحاطوا بعلوم العقول فالجهل خير من عقل يدعو إلى إنكار مثل هذه الأمور لأولياء الله تعالى ومن أنكر ذلك للأولياء لزمه إنكار الأنبياء وكان خارجا عن الدين بالكلية .
قال بعض العارفين : إنما انقطع الأبدال في أطراف الأرض واستتروا عن أعين الجمهور لأنهم لا يطيقون النظر إلى علماء الوقت لأنهم عندهم جهال بالله تعالى وهم عند أنفسهم وعند الجاهلين علماء .
قال سهل التستري رضي الله عنه إن من أعظم المعاصي الجهل بالجهل والنظر إلى العامة واستماع كلام أهل الغفلة .
وكل عالم خاض في الدنيا فلا ينبغي أن يصغى إلى قوله بل ينبغي أن يتهم في كل ما يقول لأن كل إنسان يخوض فيما أحب ويدفع ما لا يوافق محبوبه ولذلك قال الله عز وجل : ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا والعوام العصاة أسعد حالا من الجهال بطريق الدين المعتقدين أنهم من العلماء ; لأن العامي العاصي معترف بتقصيره فيستغفر ويتوب وهذا الجاهل الظان أنه عالم ، وأن ما هو مشتغل به من العلوم التي هي وسائله إلى الدنيا عن سلوك طريق الدين فلا يتوب ولا يستغفر بل لا يزال مستمرا عليه إلى الموت .
وإذ غلب هذا على أكثر الناس إلا من عصمه الله تعالى وانقطع الطمع من إصلاحهم فالأسلم لذي الدين المحتاط العزلة والانفراد عنهم كما سيأتي في كتاب العزلة بيانه إن شاء الله تعالى ولذلك كتب يوسف بن أسباط إلى حذيفة المرعشي ما ظنك بمن بقي لا يجد أحدا يذكر الله تعالى معه إلا كان آثما أو كانت مذاكرته معصية وذلك أنه لا يجد أهله ولقد صدق فإن لا تنفك عن غيبة أو سماع غيبة أو سكوت على منكر وأن أحسن أحواله أن يفيد علما أو يستفيده ولو تأمل هذا المسكين وعلم أن إفادته لا تخلو عن شوائب الرياء وطلب الجمع والرياسة علم أن المستفيد إنما يريد أن يجعل ذلك آلة إلى طلب الدنيا ، ووسيلة إلى الشر فيكون هو معينا له على ذلك وردءا وظهيرا ومهيئا لأسبابه كالذي يبيع السيف من قطاع الطريق . مخالطة الناس
فالعلم كالسيف وصلاحه للخير كصلاح السيف للغزو ولذلك لا يرخص له في البيع ممن يعلم بقرائن أحواله أنه يريد به الاستعانة على قطع الطريق .
فهذه اثنتا عشرة علامة من تجمع كل واحدة منها جملة من أخلاق علماء السلف فكن أحد رجلين إما متصفا بهذه الصفات أو معترفا بالتقصير مع الإقرار به وإياك أن تكون الثالث فتلبس على نفسك بأن تبدل آلة الدنيا بالدين وتشبه سيرة البطالين بسيرة العلماء الراسخين وتلتحق بجهلك وإنكارك بزمرة الهالكين الآيسين . علامات علماء الآخرة
نعوذ بالله من خدع الشيطان فبها هلك الجمهور .
فنسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن لا تغره الحياة الدنيا ولا يغره بالله الغرور .