الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وأما الشرب فأدبه أن يأخذ الكوز بيمينه ويقول : " بسم الله " ويشربه مصا لا عبا قال صلى الله عليه وسلم : مصوا الماء مصا ولا تعبوه عبا فإنه " الكباد من العب .

"

التالي السابق


(وأما الشرب; فأدبه أن يأخذ الكوز) أو القدح (بيمينه) أي: بيده اليمنى لشرفها (ويقول: " بسم الله " ويشربه مصا) أي: على مهلة شربا رفيقا (لا عبا) أي: تتابعا من غير تنفس. (قال -صلى الله عليه وسلم-: مصوا الماء مصا) أي: اشربوا شربا رفيقا (ولا تعبوه عبا) أي: لا تشربوه بكثرة من غير تنفس. هكذا رواه البيهقي من حديث أنس بسند بين .

وقال العراقي : رواه الديلمي في مسند الفردوس من حديث أنس بالشطر الأول، ولأبي داود في المراسيل من رواية عطاء بن أبي رباح" إذا شربتم فاشربوا مصا" اهـ .

قلت: وفي بعض روايات حديث أنس وعلي زيادة، ("فإن الكباد من العب") الكباد كغراب وجع الكبد. قال ابن القيم: وقد علم بالتجربة أن هجوم الماء جملة واحدة على الكبد يؤلمها ويضعف حرارتها بخلاف وروده على التدريج. ألا ترى أن صب الماء البارد على القدر وهي تفور يضر، وبالتدريج لا، ومن آفات النهل دفعة أن في أول الشرب [ ص: 222 ] يتصاعد البخار الدخاني الذي يغشي الكبد والقلب لورود البارد عليه، فإذا شرب دفعة اتفق عند نزول الماء صعود البخار فيتصادمان ويتدافعان، فتحدث من ذلك أمراض رديئة. ولفظ مسند الفردوس من حديث علي: " إذا شربتم الماء فاشربوه مصا ولا تشربوه عبا" فإن العب يورث الكباد.

وروى سعيد بن منصور في السنن وابن السني وأبو نعيم كلاهما في الطب النبوي، والبيهقي من حديث عبد الله بن عبد الرحمن بن الحارث النوفلي مرسلا: " إذا شرب أحدكم فليمص مصا ولا يعب عبا، فإن الكباد من العب".

وهذه الشواهد يعضد بعضها بعضا، ومن ثم حكم بعضهم على حديث علي بالحسن، فقول ابن العربي في العارضة حديث: الكباد من العب، باطل، فيه نظر، وأما حديث أبي داود في المراسيل الذي ذكره العراقي ففيه زيادة وهي: " وإذا استكتم فاستاكوا عرضا ". قال ابن القطان: وفيه محمد بن خالد القرشي لا يعرف، وقد رد عليه الحافظ ابن حجر بأن محمدا هذا وثقه ابن معين وابن حبان ، والحديث ورد من طرق عند البغوي والعقيلي وابن منده وابن عدي والطبراني وغيرهم بأسانيد، وإن كانت مضطربة كما قاله ابن عبد البر لكن اجتماعها أحدث قوة صيرته حسنا .

وروى الطبراني من حديث أم سلمة " كان يبدأ بالشراب إذا كان صائما، وكان لا يعب" يشرب مرتين أو ثلاثا. وعند الديلمي في حديث أنس بعد قوله: " مصا " زيادة وهي: " فإنه أهنأ وأمرأ " .




الخدمات العلمية