فإن قلت : فهذا العقل إن كان عرضا فكيف خلق قبل الأجسام وإن كان جوهرا فكيف يكون جوهر قائم بنفسه ولا يتحيز فاعلم أن هذا من علم المكاشفة فلا يليق ذكره بعلم المعاملة وغرضنا الآن ذكر علوم المعاملة .
وعن أنس رضي الله عنه قال أثنى قوم على رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم حتى بالغوا فقال صلى الله عليه وسلم كيف عقل الرجل ، فقالوا : نخبرك عن اجتهاده في العبادة ، وأصناف الخير وتسألنا عن عقله ، فقال صلى الله عليه وسلم إن الأحمق يصيب بجهله أكثر من فجور الفاجر وإنما يرتفع العباد غدا في الدرجات الزلفى من ربهم على قدر عقولهم .
وعن عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما اكتسب رجل مثل فضل عقل يهدي صاحبه إلى هدى ويرده عن ردي وما تم إيمان عبد ولا استقام دينه حتى يكمل عقله وقال صلى الله عليه وسلم وأطاع ربه وعصى عدوه إبليس . إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم ، ولا يتم لرجل حسن خلقه حتى يتم عقله ، فعند ذلك تم إيمانه
وعن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبي سعيد الخدري رضي الله عنه لكل شيء دعامة ودعامة المؤمن عقله ، فبقدر عقله تكون عبادته أما سمعتم قول الفجار في النار لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير وعن عمر رضي الله عنه أنه قال لتميم الداري ما السؤدد فيكم ؟ قال : العقل قال صدقت ، سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتك فقال كما قلت ، ثم قال : سألت جبريل عليه السلام : ما السودد ؟ فقال : العقل .
وعن قال : كثرت المسائل يوما على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : البراء بن عازب رضي الله عنه يا أيها الناس ، إن لكل شيء مطية ومطية المرء العقل وأحسنكم دلالة ومعرفة بالحجة أفضلكم عقلا وعن قال : أبي هريرة رضي الله عنه لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة أحد سمع الناس يقولون فلان أشجع من فلان وفلان أبلى ما لم يبل فلان ونحو هذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما هذا فلا علم لكم به قالوا : وكيف ذلك يا رسول الله ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : إنهم قاتلوا على قدر ما قسم الله لهم من العقل ، وكانت نصرتهم ونيتهم على قدر عقولهم ، فأصيب منهم من أصيب على منازل شتى ، فإذا كان يوم القيامة اقتسموا المنازل على قدر نياتهم وقدر عقولهم .
وعن أنه صلى الله عليه وسلم قال جد الملائكة واجتهدوا في طاعة الله سبحانه وتعالى بالعقل وجد المؤمنون من بني آدم على قدر عقولهم فأعملهم بطاعة الله عز وجل أوفرهم عقلا وعن البراء بن عازب رضي الله عنها ، قالت قلت : يا رسول الله بم يتفاضل الناس في الدنيا ؟ قال بالعقل ، قلت : وفي الآخرة ؟ قال : بالعقل ، قلت : أليس إنما يجزون بأعمالهم ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : يا عائشة وهل عملوا إلا بقدر ما أعطاهم عز وجل من العقل ، فبقدر ما أعطوا من العقل كانت أعمالهم وبقدر ما عملوا يجزون وعن عائشة رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ابن عباس لكل شيء آلة وعدة وإن آلة المؤمن العقل ولكل شيء مطية ومطية المرء العقل ولكل شيء دعامة ، ولكل قوم غاية وغاية العباد العقل ولكل قوم داع وداعي العابدين العقل ، ولكل تاجر بضاعة وبضاعة المجتهدين العقل ولكل أهل بيت قيم وقيم بيوت الصديقين العقل ، ولكل خراب عمارة ، وعمارة الآخرة العقل ، ولكل امرئ عقب ينسب إليه ويذكر به وعقب الصديقين الذي ينسبون إليه ويذكرون به العقل ، ولكل سفر فسطاط وفسطاط المؤمنين العقل وقال صلى الله عليه وسلم ودعامة الدين العقل إن أحب المؤمنين إلى الله عز وجل من نصب في طاعة الله عز وجل ونصح لعباده ، وكمل عقله ، ونصح نفسه فأبصر وعمل به أيام حياته فأفلح وأنجح وقال صلى الله عليه وسلم : أتمكم عقلا ، أشدكم لله تعالى خوفا ، وأحسنكم فيما أمركم به ونهى عنه نظرا وإن كان أقلكم تطوعا .