الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الثامن : حكي عن فتح الموصلي رحمه الله أنه دخل على بشر الحافي زائرا فأخرج بشر درهما فدفعه لأحمد الجلاء خادمه وقال : اشتر به طعاما جيدا وأدما طيبا قال فاشتريت خبزا نظيفا وقلت لم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم لشيء اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه سوى اللبن فاشتريت اللبن واشتريت تمرا جيدا فقدمت إليه فأكل وأخذ الباقي .

فقال بشر: أتدرون : لم قلت : اشتر طعاما طيبا ؟ لأن الطعام الطيب يستخرج خالص الشكر أتدرون لم لم يقل لي كل ؟ لأنه ليس للضيف أن يقول لصاحب الدار كل أتدرون لم حمل ما بقي لأنه إذا صح التوكل لم يضر الحمل .

وحكى أبو علي الروذباري رحمه الله تعالى أنه اتخذ ضيافة فأوقد فيها ألف سراج ، فقال له رجل قد : أسرفت ، فقال له : ادخل فكل ما أوقدته لغير الله فأطفئه ، فدخل الرجل فلم يقدر على إطفاء واحد منها فانقطع .

واشترى أبو علي الروذباري أحمالا من السكر وأمر الحلاويين حتى بنوا جدارا من السكر عليه شرف ومحاريب على أعمدة منقوشة كلها من سكر ثم دعا الصوفية حتى هدموها وانتهبوها .

التاسع

التالي السابق


(الثامن: حكي عن فتح الموصلي رحمه الله تعالى) تقدم ترجمته في كتاب العلم (أنه دخل على بشر) بن الحارث (الحافي) رحمه الله تعالى (زائرا فأخرج بشر درهما فدفعه لأحمد الجلاء خادمه) ترجمه أبو نعيم في الحلية، وهو من كبار الصوفية، (وقال: اشتر به طعاما جيدا وإداما طيبا فاشتريت) ببعض ذلك الدرهم (خبزا نظيفا) أي: من لباب البر (وقلت) في نفسي (لم يقل النبي -صلى الله عليه وسلم- لشيء اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه سوى اللبن) كما تقدم تخرجه قريبا (فاشتريت اللبن) إداما للخبز ببعض الدرهم، (واشتريت بباقيه تمرا جيدا فقدمت إليه) أي: إلى فتح الموصلي (فأكل وأخذ الباقي) أي: ما فضل من أكله وقام (فقال: تدرون لم قلت: اشتر طعاما طيبا ؟ لأن الطعام الطيب يستخرج خالص الشكر) لله تعالى، وقد تقدم من كلام أبي سليمان الداراني ما يقرب من ذلك، وكذا من كلام المأمون العباسي في شرب الماء بالثلج (تدرون لم لم يقل لي) فتح (كل ؟ لأنه) ضيف [ ص: 272 ] وارد و (ليس للضيف أن يقول لصاحب الدار كل) بل صاحب الدار هو الذي يقول له ذلك، (تدرون لم حمل ما بقي) من الطعام (لأنه إذا صح التوكل) على الله (لم يضر الحمل) ولو أن ظاهره مناقض لمقام التوكل، ولكن عند الكمل في هذا المقام يتساوى الأمران، وذكر صاحب "القوت " في باب رياضة المريدين في الأكل ما نصه: كان بشر رحمه الله تعالى قد أصبح ذات يوم صائما، فزاره فتح الموصلي، قال حسين المغازلي: فدفع إلي كفا من دراهم، فقال: اشتر لنا أطيب ما تجد من الحلاوة، وأطيب ما تجد من الطيب، قال: وما قال لي مثل ذلك قط، فوضعت الطعام بين أيديهم، فجعل يأكل معه وما رأيته أكل مع غيره. قال: ودفع إبراهيم بن أدهم إلى بعض إخوانه دراهم فقال: خذ لنا بهذه خبزا وعسلا وخبز حواري، فقلت: يا أبا إسحاق بهذا كله ؟ فقال: ويحك، إذا وجدنا أكلنا أكل الرجال، وإذا علمنا صبرنا صبر الرجال. (وحكى أبو علي) محمد بن القاسم بن منصور بن شهيريار (الروذباري) الإمام الجليل شيخ الصوفية في وقته، اختلف في اسمه فقيل كما ذكرنا وهو الذي قدمه ابن الصلاح وقال أبو عبد الرحمن السلمي: إنه الأصح، وذكره كذلك القشيري في الرسالة وقيل: هو محمد بن أحمد بن القاسم، وهو الذي ذكره ابن السمعاني في الأنساب، وكذلك الخطيب ذكره في المحمدين من تاريخه وقيل: الحسين بن همام، حكاه ابن السمعاني أيضا، سكن بغداد ونشأ بها على طريقة حسنة، وصحب أبا القاسم الجنيد، وأبا الحسين النوري وأبا حمزة وطبقتهم، وصحب بالشام أبا عبد الله بن الجلاء وغيره، وتفقه بابن سريج، وسمع الحديث من مسعود الرملي وغيره، وانتقل إلى مصر واستوطنها، وصار شيخ الصوفية بها، وأخذ عنه جماعة منهم ابن أخته أحمد بن عطاء الروذباري، ومحمد بن عبد الله بن شاذان الرازي ، وأحمد بن علي الوجيهي، ومعروف الزنجاني وآخرون، قال القشيري: هو أظرف المشايخ وأعلمهم بالطريقة، مات سنة 322 (عن رجل أنه اتخذ ضيافة فأوقد فيها ألف سراج، فقال له رجل: أسرفت، فقال: ادخل فكل ما أوقدته لغير الله فأطفئه، فدخل الرجل فلم يقدر على إطفاء واحد منها فانقطع) ، وله من هذا النحو حكايات وطرف ونوادر أورد غالبها أبو نعيم في " الحلية " (واشترى أبو علي الروذباري) رحمه الله تعالى هذا الذي ذكرنا ترجمته (أحمالا من السكر وأمر الحلاويين) الذين يطبخون السكر ويعالجون الحلوى (حتى بنوا جدارا من السكر عليه شرف ومحاريب على أعمدة منقوشة كلها من السكر ثم دعا الصوفية حتى هدموها وانتهبوها) وهذا من الإنفاق في سبيل الله مما كان يحبه ويحبونه ولهم أحوال مختلفة ونبات صالحة .




الخدمات العلمية