الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وروي أنه انصرف الناس ذات يوم من مجلس ابن عباس وبقي شاب لم يبرح فقال له ابن عباس : هل لك من حاجة ؟ قال : نعم . أردت أن أسأل مسألة فاستحييت من الناس وأنا الآن أهابك وأجلك فقال ابن عباس : إن العالم بمنزلة الوالد فما كنت أفضيت به إلى أبيك فأفض إلي به فقال إني شاب لا زوجة لي وربما خشيت العنت على نفسي فربما استمنيت بيدي فهل في ذلك معصية ؟ فأعرض عنه ابن عباس ثم قال : أف وتف! نكاح الأمة خير منه وهو خير من الزنا فهذا تنبيه على أن العزب المغتلم مردد بين ثلاثة شرور أدناها نكاح الأمة وفيه إرقاق الولد وأشد منه الاستمناء باليد وأفحشه الزنا ولم يطلق ابن عباس الإباحة في شيء منه لأنهما محذوران يفزع إليهما حذرا من الوقوع في محذور أشد منه كما يفزع إلى تناول الميتة حذرا من هلاك النفس ، فليس ترجيح أهون الشرين في معنى الإباحة المطلقة ولا في معنى الخير المطلق ، وليس قطع اليد المتآكلة من الخيرات وإن كان يؤذن فيه عند إشراف النفس على الهلاك فإذا في النكاح فضل من هذا الوجه ولكن هذا لا يعم الكل بل الأكثر فرب شخص فترت شهوته لكبر سن أو مرض أو غيره فينعدم هذا الباعث في حقه ويبقى ما سبق من أمر الولد .

فإن ذلك عام إلا للممسوح وهو نادر ومن الطباع ما تغلب عليها الشهوة بحيث لا تحصنه المرأة الواحدة فيستحب لصاحبها الزيادة على الواحدة إلى .الأربع فإن يسر الله له مودة ورحمة واطمأن قلبه بهن وإلا فيستحب له الاستبدال فقد نكح علي رضي الله عنه بعد وفاة فاطمة عليها السلام بسبع ليال ويقال : إن الحسن بن علي كان منكاحا حتى نكح زيادة على مائتي امرأة وكان ربما عقد على أربع في وقت واحد ، وربما طلق أربعا في وقت واحد واستبدل بهن وقد قال صلى الله عليه وسلم للحسن أشبهت خلقي وخلقي .

وقال صلى الله عليه وسلم : " حسن مني وحسين من علي فقال : إن كثرة نكاحه أحد ما أشبه به خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوج المغيرة بن شعبة بثمانين امرأة وكان في الصحابة من له الثلاث والأربع ومن كان له اثنتان لا يحصى ومهما كان الباعث معلوما فينبغي أن يكون العلاج بقدر العلة ، فالمراد تسكين النفس فلينظر إليه في الكثرة والقلة .

الفائدة الثالثة : ترويح النفس وإيناسها بالمجالسة والنظر والملاعبة إراحة للقلب وتقوية له على العبادة فإن النفس ملول وهي عن الحق نفور لأنه على خلاف طبعها فلو كلفت المداومة بالإكراه على ما يخالفها جمحت وثابت وإذا روحت باللذات في بعض الأوقات قويت ونشطت وفي الاستئناس بالنساء من الاستراحة ما يزيل الكرب ويروح القلب وينبغي أن يكون لنفوس المتقين استراحات بالمباحات ولذلك قال الله تعالى : ليسكن إليها وقال علي رضي الله عنه : روحوا القلوب ساعة فإنها إذا أكرهت عميت .

وفي الخبر " على العاقل أن يكون له ثلاث ساعات ساعة يناجي فيها ربه ، وساعة يحاسب فيها نفسه ، وساعة يخلو فيها مطعمه ومشربه ، فإن في هذه الساعة عونا على تلك الساعات .

" ومثله بلفظ آخر : لا يكون العاقل ظاعنا إلا في ثلاث تزود لمعاد أو مرمة لمعاش أو لذة في غير محرم .

وقال صلى الله عليه وسلم : " لكل عامل شرة ولكل شرة فترة ، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى .

التالي السابق


( وروي أنه انصرف الناس ذات يوم من مجلس ابن عباس -رضي الله عنه- وبقي شاب لم يبرح) موضعه فأطال العقود ( فقال له ابن عباس : هل) لك ( من حاجة ؟ قال: نعم. أردت أن أسألك مسألة فاستحييت) من حضرة ( الناس) فقال: ( سلني) عما بدا لك قال: ( وأنا الآن أهابك وأجلك) أي: أرفع قدرك عن هذه المسألة. ( فقال ابن عباس : إن العالم بمنزلة الوالد) لا حشمة على السائل منه، ( فما كنت أفضيت به إلى أبيك فافض به إلي) فإنه لا عبث عليك عندي. يقال: أفضى إليه بالسر أعلمه به، ( فقال) رحمك الله: ( إني شاب لا زوجة لي وربما خشيت العنت على نفسي) أي: الزنا، ( فربما استمنيت) بذكري ( في يدي) يقال: استمنى الرجل استدعى منيه بأمر غير الجماع حتى دفق، ( فهل في ذلك معصية ؟ فأعرض عنه ابن عباس ثم قال: أف وتف) الأف بالضم كل مستقذر وسخ، والتف بالضم أيضا وسخ الظفر يقال ذلك لكل مستخف به استقذارا له، وفي الأف والتف تفصيل أودعته في شرح القاموس .

( نكاح الأمة خير منه وهو خير من الزنا) كذا أورده صاحب "القوت "، ( وهذا تنبيه على أن العزب المغتلم) أي: الذي لا زوجة له وقد هاجت به الشهوة ( تردد بين ثلاثة شروط أدناها نكاح الأمة وفيه إرقاق الولد) كما ذكر قريبا، ( وأشد منه الاستمناء باليد) ويعرف أيضا بالخضخضة وجلد عميرة، ( وأفحشه الزنا) وهذه الثلاثة على هذا الترتيب ( ولم يطلق ابن عباس في) قوله المذكور ( الإباحة في شيء منه لأنهما) أي نكاح الأمة والاستمتاع بمعالجة ( محذوران) شرعا ( فيفزع إليهما حذرا من الوقوع في محذور أشد منه كما يفزع إلى تناول الميتة حذرا من هلاك النفس، فليس ترجيح أهون الشرين في معنى الإباحة المطلقة ولا في معنى الحظر المطلق، وليس قطع اليد المتآكلة) أو الرجل المتآكلة ( من الخيرات وإن كان يؤذن فيه) أي: قطعها وكيها في الزيت السخن شرعا ( عند إشراف النفس على الهلاك) ، فهذا من الأخذ بأهون الأمرين .

وقرأت في كتاب اختلاف الفقهاء لابن جرير الطبري ما نصه: واختلفوا في الاستمناء فقال العلاء بن زياد: لا بأس بذلك فقد كنا نفعله في مغازينا، حدثنا بذلك محمد بن بشار العبدي قال: حدثنا ماعز بن هشام قال: حدثني أبي عن قتادة عنه. وقال الحسن البصري، والضحاك ممن عداهم وجماعة معهم مثل ذلك. وقال ابن عباس : هو خير من الزنا ونكاح الأمة خير منه، وقال أنس بن مالك: ملعون من فعل ذلك. وقال الشافعي : لا يحل ذلك، حدثنا بذلك عنه الربيع، وعلة من قال بقول العلاء أن تحريم الشيء وتحليله لا يثبت إلا بحجة ثابتة يجب التسليم لها وذلك مختلف فيه... مع إجماع الكل، وأن مادة أعماله فيه فحرام عليه الجمع بينهما إلا لعلة، وقد أجمعوا أن له أن يباشر ذلك بما يحل له أن يباشره به، فكذلك له أن يعمله فيه، وعلة من قال بقول الشافعي الاستدلال بقول الله عز وجل: والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون فأخبر جل ثناؤه أن من لم يحفظ فرجه عن غير زوجته وملك يمينه فهو من العادين والمستمني عاد بفرجه عنهما. اهـ .

وفي شرح الرسالة القيروانية للشيخ سيدي أحمد زروق نفع الله به: من قال مباشرة الفرج زنا ولواط وهما محرمان إجماعا واستمناء، واختلف فيه [ ص: 307 ] فمذهب الجمهور المنع. وقال أحمد: هو كالفصادة، وعن الحسن: إنما هو ماؤك فأرقه. وعن مجاهد: وكانوا يعلمونه صبيانهم فيستعفون به عن الزنا. وعن ابن عباس: الخضخاض خير من الزنا ودليل المنع قوله تعالى: إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم وليس هذا بواحد منهما ولا يدخل المملوك في المستثنى بدليل القران بالأزواج. وحكى بعض المقيدين جوازه عن الشافعي وهو باطل بل هو عن الشيعة الخارجين عن الحق، ولما تكلم ابن العربي في أحكام القرآن على هذه الآية ذكر مذهب الإمام أحمد، ثم قال: وهذا من الخلاف الذي لا يجوز العمل به، ولعمري لو كان فيه نص صريح بالجواز أكان ذو همة يرضاه لنفسه وما يذكر فيه من الأحاديث ليس فيها ما يساوي بسماعه، وقد عده البلالي في مختصر الإحياء من الصغائر والله أعلم. اهـ. وفي صرة الفتاوي لبعض المتأخرين من أصحابنا ما نصه: ومن الناس من قال الاستمتاع بالكف لا يفسد الصوم، وهل يباح له فعل ذلك في غير رمضان ؟ قالوا: إن أراد الشهوة لا يباح، وإن أراد تسكين الشهوة فنرجو أن لا يكون مؤاخذا ولا آثما، والفرق بين فعل الإباحة وعدمها البزاق، فإن لم يكن به فللتسكين وسئل ابن نجيم عمن استمنى بكفه في رمضان، فأجاب يلزمه القضاء والكفارة لفساد صومه. والله أعلم .

( فإذا في النكاح فضل من هذا الوجه لكن هذا لا يعم الكل بل الأكثر فرب شخص فترت) أي: ضعفت ( بكبر سن أو مرض) ، فمرضه ( أو غيره) من الموانع ( فينعدم هذا الباعث في حقه ويبقى ما سبق من أمر الولد) أي: تحصيله، ( فإن ذلك عامل إلا للممسوح) أي: الخصي فإنه لا يرجى منه ذلك، ( وهو نادر) لا حكم له، ( ومن الطباع ما تغلب عليه الشهوة) بكثرتها وحدتها ( بحيث لا تحصنه المرأة الواحدة) ، وذلك إذا كانت تمل من الجماع الكثير وتزعل منه، ( فيستحب لصاحبها الزيادة على الواحدة إلى الرابع) لا غير بإجماع علماء السنة، ( فإن يسرت له مودة ورحمة) بهن ومنهن ( واطمأن قلبه بهن) وسكن إليهن فهو المطلوب ( وإلا فيستحب له الاستبدال) عنهن بغيرهن من غير تجاوز عن حدود الشرع، ( فقد نكح علي -رضي الله عنه- بعد فاطمة رضي الله عنها بسبع ليال) مضت من وقتها بوصية؛ منها أسماء بنت عميس الخثعمية وبعدها غيرها من النساء كما تقدم شيء من ذلك قريبا، فلو لم يكن أمر النكاح عظيما عندهم لما اختار علي -رضي الله عنه- ذلك مع قرب المدة من وفاة أم أولاده - رضي الله عنها - هذا مع كمال زهده وعصمته وحفظه .

( ويقال: إن الحسن بن علي - رضي الله عنهما - كان نكاحا) أي: كثير النكاح ( حتى نكح) أي: تزوج ( زيادة على مائتي امرأة وربما كان عقد على أربع) نسوة ( في عقد واحد، وربما كان طلق أربعا في وقت واحد واستبدل بهن) ، ووجه يوما بعض أصحابه بطلاق امرأتين له وقال: قل لهما: اعتدا وأمره أن يدفع إلى كل واحدة عشرة آلاف درهم ففعل، فلما رجع إليه قال: ماذا قالتا ؟ فقال: أما إحداهما فنكست رأسها وسكتت، وأما الأخرى فبكت وانتحبت فسمعتها تقول: متاع قليل من حبيب مفارق. قال: فأطرق ورحم لها ثم رفع رأسه وقال: لو كنت مراجعا امرأة بعدما أفارقها لكنت أراجعها .

( وقد قال له -صلى الله عليه وسلم- أشبهت خلقي وخلقي) الأول بفتح فسكون والمراد به الخلقة الظاهرة، والثاني بضمتين والمراد به الأوصاف الباطنة، هكذا أورده صاحب "القوت " قال العراقي : المعروف أنه قال هذا اللفظ لجعفر بن أبي طالب كما هو متفق عليه من حديث البراء، والحسن أيضا كان يشبه النبي - صلى الله عليه وسلم- كما هو متفق عليه في حديث أبي جحيفة، وللترمذي وصححه وابن حبان من حديث أنس: لم يكن أحد أشبه برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الحسن انتهى. وأن الحسن كان يشبه النبي -صلى الله عليه وسلم- من رأسه إلى سرته، والحسين من سرته إلى قدميه .

( وقال -صلى الله عليه وسلم-: " حسن مني وحسين من علي") كذا في "القوت ". قال العراقي : رواه أحمد من حديث المقدام بن معد يكرب بسند جيد. اهـ .

قلت: وعن يعلى بن مرة " حسين مني وأنا منه أحب الله من أحب حسينا ". الحديث رواه البخاري في الأدب المفرد، والترمذي ، وابن ماجه والطبراني، والحاكم ، وابن سعد، وأبو نعيم في فضائل الصحابة. ورواه مع زيادة ابن عساكر من حديث أبي رمثة.

( فقيل: إن كثرة نكاحه) للنساء ( أحد ما أشبه به خلق رسول الله صلى الله [ ص: 308 ] عليه وسلم) ولفظ " القوت ": وهذا أحد ما كان الحسن يشبه فيه برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان يشبهه في الخلق والخلق .

( وتزوج المغيرة بن شعبة) بن أبي عامر الثقفي، أبو عيسى، أو أبو عبد الله، أو أبو محمد الصحابي -رضي الله عنه-. أسلم عام الخندق، وأول مشاهده الحديبية. قال ابن مسعود : كان المغيرة يقال له مغيرة الرأي، وكان داهية لا يستحر في صدره أمران إلا وجد في أحدهما مخرجا، وشهد المشاهد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم شهد اليمامة ثم فتوح الشام، ثم اليرموك وأصيبت عينه بها. ويروى عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقام المغيرة فنظر إليها فذهبت عينه، وشهد القادسية، وكان رسول سعد إلى رستم. توفي سنة تسع وأربعين بالكوفة وهو أميرها. ( بثمانين امرأة) كذا في "القوت ". رواه المزي في التهذيب بسنده إلى ليث بن أبي سليم عنه، قال: أحصنت ثمانين امرأة. وقال بكر بن عبد الله المزني عنه: تزوجت سبعين امرأة أو بضعا وسبعين امرأة. وقال ابن شوذ: أحصن المغيرة أربعا من بنات أبي سفيان. وقال مالك: كان المغيرة نكاحا للنساء، وكان يقول: صاحب الواحدة إذا مرضت مرض معها، وإن حاضت حاض معها، وصاحب المرأتين بين نارين تشتعلان، وكان ينكح أربعا جميعا ويطلقهن جميعا، وقال محمد بن وضاح عن سحنون بن سعيد عن نافع بن عبد الله الصائغ: أحصن المغيرة ثلاثمائة امرأة في الإسلام .

قال ابن وضاح غير ابن قانع يقول: ألف امرأة. وقال الشعبي: سمعت المغيرة يقول: ما غلبني أحد إلا غلام من بني الحارث بن كعب فإني خطبت امرأة منهم فأصغى إلي الغلام وقال: أيها الأمير، لا خير لك فيها، إني رأيت رجلا يقبلها فانصرفت عنها، فبلغني أن الغلام تزوجها فقلت: أليس زعمت أنك رأيت رجلا يقبلها ؟ قال: ما كذبت أيها الأمير رأيت أباها يقبلها، فإذا ذكرت ما فعل غاظني.

( وكان في الصحابة رضي الله عنهم من له ثلاث) من النساء ( والأربع ومن كان له الاثنتان لا يحصى) ولفظ " القوت ": وكثير منهم من كانت له اثنتان لا يخلو منهما. ( ومهما كان الباعث معلوما فينبغي أن يكون العلاج بقدر العلة، فالمراد) إنما هو ( تسكين النفس) أي: شهوتها ( فلينظر إليه في الكثرة والقلة) ويختلف ذلك باختلاف الأشخاص. وسيأتي تمام هذا البحث في أواخر العلم الأول عند ذكر آداب الجماع .



( الفائدة الثالثة: ترويح النفس وإيناسها بالمجالسة والنظر والملاعبة) في وقت فتورها عن الذكر ( إراحة للقلب وتقوية له على العبادة) وتنشيطا، ( فإن النفس ملول) أي: كثيرة الملل والسأم والضجر ( وهي عن الحق نفور) لا تستطيع دوام الوقوف في مقام المشاهدة؛ ( لأنه على خلاف طبعها) الذي جبلت عليه ( فلو كلفت المداومة بالإكراه على ما يخالفها) من حيث الطبع ( جمحت وثابت) أي: رجعت، ( وإذا روحت باللذات في بعض الأوقات قويت ونشطت) على العبادة، وفي الاستئناس بالنساء من الاستراحة ما يزيل الكرب ويروح القلب ويقوي عقد الإرادة ( وينبغي أن يكون لنفوس المتقين استراحات إلى المباحات) ، ( ولذلك قال الله تعالى: ليسكن إليها ) وهذا سكون النفس إلى الجنس لاجتماع الصفات الملائمة للطبع، ( و) من هنا ( قال علي -رضي الله عنه-: روحوا القلوب ساعة فإنها إذا أكرهت عميت) ويروى: روحوا القلوب تعي الذكر أي: روحوها بالاستراحة إلى المباح تعي ذكر الآخرة لأن للذكر أثقالا، وهذا روي في المرفوع من حديث أنس بلفظ: ( روحوا القلوب ساعة فساعة) .وفي رواية " ساعة وساعة " .

قال السخاوي في المقاصد: رواه الديلمي من جهة أبي نعيم، ثم من حديث أبي الطاهر الموقري، عن الزهري، عن أنس رفعه بهذا قال: ويشهد له ما في صحيح مسلم وغيره من حديث أبي حنظلة " ساعة وساعة " .

وقال السيوطي في الجامع: رواه أبو بكر بن المقري في فوائده، والقضاعي في مسند الشهاب عنه عن أنس، ورواه أبو داود في مراسيله عن الزهري مرسلا .

وقال المناوي نقلا عن شارح مسند الشهاب: إنه حديث حسن، وأما حديث حنظلة الذي أشار إليه السخاوي فقد أوردته في شرحي على حديث أم زرع من الشمائل فليراجع .

( وفي الخبر " على العاقل أن تكون له ثلاث ساعات ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلو فيها بمطعمه ومشربه، فإن في هذه الساعة عونا على تلك [ ص: 309 ] الساعات ") أورده صاحب القوت. قال العراقي : رواه ابن حبان من حديث أبي ذر في حديث طويل إن ذلك في صحف إبراهيم. اهـ .

قلت: هذا الحديث الطويل أخرجه أبو نعيم في الحلية من طرق عن أبي ذر قال: دخلت المسجد وإذا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس وحده فجلست إليه فساق الحديث، وفيه قال: قلت: يا رسول الله فما كانت صحف إبراهيم قال: كانت أمثالا كلها، وفيها على العاقل ما لم يكن مغلوبا على عقله أن تكون له ساعات ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يفكر فيها في صنع الله، وساعة يخلو فيها بحاجته من المطعم والمشرب.

( ومثله بلفظ آخر: لا يكون العاقل ظاعنا إلا في ثلاث تزود للمعاد) أي: الآخرة ( أو مرمة) أي: إصلاح ( لمعاش) أي: لما يعيش به في دنياه، ( أو لذة في غير محرم) كذا أورده صاحب "القوت ". قال العراقي : رواه ابن حبان من حديث أبي ذر في حديث طويل " إن ذلك في صحف إبراهيم". اهـ .

قلت: وهو الحديث الذي سقناه من كتاب الحلية، وهكذا سياقه سواء، وقال: وقد رواه المختار بن غسان، عن إسماعيل بن مسلم، عن أبي إدريس، ورواه علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة عن أبي ذر. ورواه عبيد بن الخشخاش، عن أبي ذر. ورواه معاوية بن صالح عن محمد بن أيوب، عن أبي عائذ، عن أبي ذر. رواه ابن جريج، عن علاء، عن عبيد بن عمير، عن أبي ذر بطوله .

( وقال -صلى الله عليه وسلم-: " لكل عامل شرة ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى) كذا أورده صاحب "القوت " قال العراقي : رواه أحمد والطبري من حديث عبد الله بن عمرو، وللترمذي نحو من هذا من حديث أبي هريرة وقال: حسن صحيح، اهـ .

قلت: لفظ الطبراني: " فقد أفلح " بدل " اهتدى". رواه البيهقي من حديث ابن عمر بلفظ: " إن لكل عمل شرة " والباقي سواء كما ساقه المصنف مع زيادة: " ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك "، قالالهيتمي: رجاله رجال الصحيح. ووجدت بخط الإمام شمس الدين الداودي ما نصه: أصل هذا الحديث في صحيح البخاري، وأخرجه الإسماعيلي في مستخرجه. اهـ .




الخدمات العلمية