الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وقال ابن السبكي: ومن أراد معرفة قدر الأشعري وأن يمتلئ قلبه من حبه فعليه بكتاب "تبيين المفتري" للحافظ أبي القاسم بن عساكر، وهو من أجل الكتب وأعظمها فائدة وأحسنها، ويقال: لا يكون الفقيه شافعيا على الحقيقة حتى يحصل هذا الكتاب، وكان مشيختنا يأمرون الطلبة بالنظر فيه، قال: وقد زعم بعض الناس أن الشيخ كان مالكي المذهب، وليس ذلك بصحيح، إنما كان شافعيا تفقه على أبي إسحاق المروزي، نص على ذلك الأستاذ أبو بكر بن فورك في طبقات المتكلمين، والأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني فيما نقله الشيخ أبو محمد الجويني في شرح الرسالة، والمالكي هو القاضي أبو بكر الباقلاني شيخ الأشاعرة. اهـ .

قلت: والذي قال: إنه مالكي المذهب جماعة، منهم القاضي عياض، فذكره في طبقاتهم في كتابه "المدارك"، واعتمد عليه، وتبعه على ذلك غير واحد منهم: أبو عبد الله محمد بن موسى بن عماد الكلاعي اليورقي، وهو من أئمة المالكية؛ فإنه صرح في ترجمة الشيخ بأنه كان مالكي المذهب في الفروع، وحكي أنه سمع الإمام رافع الحمال يقول ذلك، هكذا نقله الذهبي.

قال ابن السبكي: وقد وقع لي أن سبب الوهم فيه أن القاضي أبا بكر كان يقال له: الأشعري؛ لشدة قيامه في نصرة مذهب الشيخ، وكان مالكيا على الصحيح الذي صرح ابن السمعاني في القواطع وغيره من النقلة الأثبات ورافع الحمال، قرأ على من قرأ على القاضي، فأظن اليورقي سمع رافعا يقول: الأشعري مالكي، فتوهمه، يعني الشيخ، وإنما يعني رافعا القاضي أبا بكر، هذا ما وقع لي، ولا أشك فيه، واليورقي رجل معتزلي بعيد الدار عن بلاد العراق متأخر عن زمان أصحاب الشيخ وأصحاب أصحابه، فبعد عليه تحقيق حاله، وقد تقدم كلام الشيخ أبي محمد الجويني عن الأستاذ أبي إسحاق، وكفى به؛ فإنه أعرف من رافع، ولا أحد في عصر الأستاذ أخبر منه بحال الشيخ، إلا أن يكون الباقلاني. اهـ .

وهذا الذي ذكره آخره مسلم، ولكن توجيهه لكلام رافع مستبعد، كما لا يخفى، ولم لا يكون الشيخ عارفا بالمذهبين، يفتي بهما كما كان ابن دقيق العيد وغيره من جهابذة العلماء، ويكون دعوى كل من الفريقين صحيحا؟ فتأمل .

التالي السابق


الخدمات العلمية