الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
إلا إذا سبقت رؤيته مذ مدة لا يغلب التغير فيها والوصف لا يقوم مقام العيان هذا أحد المذهبين

التالي السابق


ومن فروع هذه المسألة: لو اشترى ما رآه قبل العقد، نظر، إن كان مما لا يتغير غالبا، كالأراضي، والأواني، والحديد، والنحاس، ونحوها، وكان لا يتغير في المدة المتخللة الرؤية، والشراء، صح العقد، بحصول العلم، الذي هو المقصود، وإليه أشار المصنف بقوله: (إلا إذا سبقت رؤيته مدة لا يغلب التغير فيها) وقال الأنماطي: لا يصح; لأن ما كان شرطا في العقد، ينبغي أن يوجد عنده، كالقدرة على التسليم في البيع، والشهادة في النكاح، والمذهب: الأول، واحتج الإصطخري على الأنماطي في المسألة، فقال: أرأيت لو دخل دارا، ونظر إلى جميع جوانبها، وعلاليها، ثم خرج منها، واشتراها، هل يصح؟ قال: لا، قال: أرأيت لو دخل أرضا، ونظر إلى جميعها، ثم وقف في ناحية منها، واشتراها، هل يصح؟ فتوقف فيه، ولو ارتكبه، لكان مانعا بيع الأراضي، والضياع التي لا تشاهد دفعة واحدة، وإنه خلاف الإجماع، ثم إذا صححنا الشراء، فإن وجده كما رأى أولا، فلا خيار له، وإن وجده متغيرا، فقد حكى المصنف فيه وجهين في الوسيط، أحدهما: أنه يتبين بطلان العقد; لتبين انتفاء المعرفة، وأصحهما، وهو الذي أورده الجمهور: أنه لا يتبين ذلك; لبقاء العقد في الأصل، على ظن غالب، ولكن له الخيار، قال الإمام في النهاية: وليس المعني بتغيره تعيبه، فإن خيار العيب لا يختص بهذه الصورة، ولكن الرؤية بمثابة الشرط، في الصفات الكائنة عند الرؤية، فكل ما قامت منها فهو بمثابة ما لو تبين الخلف في الشرط، وإن كان المبيع مما يتغير في مثل تلك المدة غالبا، كما إذا رأى ما يتسارع إليه الفساد من الأطعمة، ثم اشتراه بعد مدة صالحة، فالبيع باطل، وإن مضت مدة تحتمل أن يتغير فيها، ويحتمل أن لا يتغير، أو كان المبيع حيوانا، فيه وجهان: أحدهما: أنه لا يصح البيع; لما فيه من الغرر، ويحكى هذا عن المزني، وابن أبي هريرة. وأصحهما: الصحة; لأن الظاهر بقاؤه بحاله، فإن وجده متغيرا فله الخيار، وإذا اختلفا، فقال البائع: هو بحاله، وقال المشتري: بل تغير، فوجهان: أحدهما: أن القول قول البائع; لأن الأصل عدم التغير، واستمرار العقد. وأظهرهما، وهو المحكي عن نفسه في العرف: أن القول قول المشتري مع يمينه; لأن البائع يدعي عليه الاطلاع على المبيع في هذه الصورة، والرضا به، وهو ينكره، فأشبه ما إذا ادعى الاطلاع على العيب، وأنكر المشتري .

ومن فروع المسألة: اختلفوا في أن استقصاء الأوصاف على الحد المعتبر في السلم، هل يقوم به، أم الرؤية إذا شاع وصفه بطريق التواتر؟ فيه وجهان: أحدهما: نعم; لأن ثمرة الرؤية المعرفة، وهما يفيدانها، فعلى هذا يصح البيع على القولين، ولا خيار. وأصحهما: لا; لأن الرؤية تطلع على أمور تضيق عنها العبارة، وإليه أشار المصنف بقوله: (والوصف لا يقوم مقام العيان) والمشاهدة (هذا أحد المذهبين) أي: أصح القولين في المذهب .

ومن مسائل الفصل: إذا رأى بعض الشيء دون بعض، نظر، إن كان مما يستدل برؤية بعضه على الباقي، صح البيع، كما إذا رأى ظاهر الصبرة من الحنطة، والشعير; لأن الغالب أن أجزاءها لا تختلف، ويعرف جملتها برؤية ظاهرها، ثم لا خيار له إذا رأى باطنه، إلا إذا اختلف باطنه، وظاهره، وفي التتمة: أن أبا سهل الصعلوكي، حكى قولا عن الشافعي: أنه لا تكفي رؤية ظاهر الصبرة، بل لا بد من تقليبها، ليعرف حال باطنها أيضا. وهكذا حكاه أبو الحسن العبادي، عن الصعلوكي نفسه، وقال: إنما ألجأه إليه ضرورة نظر. والمذهب المشهور: هو الأول، وفي معنى الحنطة، والشعير، صبرة الجوز، واللوز، والدقيق; لأن الظاهر استواء ظاهرها وباطنها، ولو كان شيء منها في وعاء، فرأى أعلاه، أو رأى أعلى السمن، والخل، وسائر المائعات في ظروفها، كفى .

ولو كانت الحنطة في بيت، وهو مملوء منها، فرأى بعضها في الكوة، أو الباب، كفى، إن عرف سعة البيت، وعمقه، وإلا فلا، وكذا حكم الجمد في المجمدة .

ولا تكفي رؤية صبرة البطيخ، والرمان، والسفرجل; لأنها تباع في العادة عددا، وتختلف اختلافا بينا، فلا بد من رؤية واحد، واحد، وكذا لا يكتفى في بيع السلة من العنب، والخوخ، ونحوهما، برؤية الأعلى; لكثرة الاختلاف فيها .

وعن الصيمري حكاية خلاف في القطن في العود، أنه يكفي رؤية أعلاه، أم لا بد من رؤية جميعه؟ قال: والأشبه عندي: أنه كقومرة التمر .

ومن فروع [ ص: 438 ] هذا الفصل: الثوب العلوي، لا بد من نشره، قال: ويحتمل عندي: أن يصح بيع الثياب التي لا تنشر بالكلية; لما في نشرها من التنقيص، ونقل القفال في شرح التلخيص: لو اشترى الثوب المطوي، وصححناه، ونشره، واختار الفسخ، وكان لطيه مؤنة، ولم يحسن طيه، لزم المشتري مؤنة الطي، اهـ. ثم إذا نشرت، فما كان صفيقا، كالديباج المنقوش، فلا بد من رؤية كلا وجهيه، وفي معناه البسط، والزلالي. وما كان رقيقا لا يختلف وجهاه كالكرباس، تكفي رؤية أحد وجهيه، في الصحيح من الوجهين .




الخدمات العلمية