الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
السادس : أن يقصد في معاملته جماعة من الفقراء بالنسيئة وهو في الحال عازم على أن لا يطالبهم إن لم تظهر لهم ميسرة فقد كان في صالحي السلف من له دفتران للحساب أحدهما ترجمته مجهولة ، فيه أسماء من لا يعرفه من الضعفاء ، والفقراء ، وذلك أن الفقير كان يرى الطعام أو الفاكهة فيشتهيه فيقول أحتاج إلى خمسة أرطال مثلا من هذا وليس معي ثمنه فكان يقول: خذه واقض ثمنه عند الميسرة ولم يكن يعد هذا من الخيار بل عد من الخيار من لم يكن يثبت اسمه في الدفتر أصلا ، ولا يجعله دينا لكن يقول : خذ ما تريد ، فإن يسر لك فاقض ، وإلا فأنت في حل منه وسعة فهذه طرق تجارات السلف ، وقد اندرست والقائم به محي لهذه السنة

التالي السابق


(السادس: أن يقصد في معاملته جماعة من الفقراء بالنسيئة، وهو في الحال عازم) أي: قاصد بقلبه (على أن لا يطالبهم) بالثمن (إن لم يظهر لهم ميسرة) أي: وجد وغنى (فقد كان في السلف الصالح من له) ولفظ القوت: وقد كان من سيرة السوقة فيما سلف، أنه كان للبائع (دفتران للحساب) والدفتر بالفتح جريدة الحساب، وكسر الدال لغة حكاها الفراء، وقال: هو عربي، وقال ابن دريد: ولا يعرف له اشتقاق، وبعض العرب يقول: تفتر، على البدل (أحدهما ترجمته مجهولة، فيه أسماء من لا يعرف من الضعفاء، والفقراء، وذلك أن الفقير كان يرى الطعام أو الفاكهة) ولفظ القوت: وذلك أن المسكين والضعيف كان يرى المأكول (فيشتهيه) أو يحتاج إليه، ولا يمكنه أن يشتريه (فيقول له) أي: للبائع: (أحتاج إلى خمسة أرطال من هذا مثلا) أو عشرة (وليس معه شيء) ولفظ القوت: وليس معي ثمنه (فيقول له: خذ ما تريد، واقض الثمن إذا أيسرت) أي: وجدت ما توفيه، ولفظ القوت: فيقول خذ إلى ميسرة، فإذا رزقت فاقضني، ويكتب اسمه في الدفتر المجهول (ولم يكن بعد) من يفعل (هذا من الخيار) أي: من خيار المسلمين (بل عد من الخيار) ولفظ القوت: بل كان من الباعة (من لم يكتب اسمه في الدفتر أصلا، ولا يجعله دينا) حتما عليه، ولا مظلمة عنده (لكن يقول: خذ) حاجتك من (ما تريد، فإن يسر لك فاقض، وإلا) إن لم تجد (فأنت في حل منه وسعة) لا تضيق قلبك لذلك (فهذه طرق تجارات السلف، وقد اندرست) الآن معالمها (والقائم بها عزيز) لا يكاد يوجد; (لأنه يحيي سنة) ويقيمها، ويميت بدعة، ويمحيها، ولفظ القوت: وهذا طريق مات، فمن قام به فقد أحياه، وكان مثل هؤلاء في المتقدمين أكثر من أن يسعهم كتاب، وكان من ينصح دقائق النصح، ويشدد على نفسه غاية التشديد، ويسمح لإخوانه نهاية الجود، أكثر من ذلك; وإنما ذكرنا هؤلاء لتنبيه الغافلين على أعمالهم، ونكشف بعض ما عفا من آثارهم، ولم يكن هؤلاء المذكورون من السوقة من خيار الناس عندهم، إنما كان الأخيار المسجدية، العباد، والنساك، المنقطعون إلى الله عز وجل، الزهاد .




الخدمات العلمية