الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ومن هذا الجنس من يستعير دارا فيغيب عنه المعير فيخرج ويقول : لعله مات وصار الحق للوارث فهذا وسواس إذا لم يدل على موته سبب قاطع أو مشكك ، إذ الشبهة المحذورة ما تنشأ من الشك، والشك عبارة عن اعتقادين متقابلين نشآ عن سببين فما لا سبب له لا يثبت عقده في النفس حتى يساوي العقد المقابل له فيصير شكا ولهذا نقول : من شك أنه صلى ثلاثا أو أربعا ، أخذ بالثلاث إذ الأصل عدم الزيادة .

ولو سئل إنسان أن صلاة الظهر التي أداها قبل هذا بعشر سنين كانت ثلاثا أو أربعا لم يتحقق قطعا أنها أربعة وإذا لم يقطع جوز أن تكون ثلاثة وهذا التجويز لا يكون شكا إذ لم يحضره سبب أوجب اعتقاد كونها ثلاثا فلتفهم ، حقيقة الشك حتى لا يشتبه الوهم والتجويز بغير سبب فهذا يلتحق بالحلال المطلق .

ويلتحق ، بالحرام المحض ما تحقق تحريمه وإن أمكن طريان محلل ، ولكن لم يدل عليه سبب كمن في يدل طعام لمورثه الذي لا وارث له سواه ، فغاب عنه فقال : يحتمل أنه مات ، وقد انتقل الملك إلي فآكله ، فإقدامه عليه إقدام على حرام محض ; لأنه احتمال لا مستند له ، فلا ينبغي أن يعد هذا النمط من أقسام الشبهات ، وإنما الشبهة نعني بها ما اشتبه علينا أمره بأن تعارض لنا فيه اعتقادان صدرا عن سببين مقتضيين للاعتقادين .

التالي السابق


(ومن هذا الجنس من يستعير) من رجل (دارا) ليسكنها، (فيغيب المعير) عنه مدة (فيخرج) المستعير على الدار (ويقول: لعله) أي: المعير (قد مات وصار الحق للورثة) ، فلا يحل لي أن أسكنها، (فهذا وسواس) محض (إذا لم يدل على موته سبب قاطع أو مشكك، إذ الشبهة المحذورة ما ينشأ عن الشك، والشك عبارة عن اعتقادين متقابلين نشآ عن سببين) ، ويقرب منه قول من قال: هو التردد بين نقيضين لا ترجيح لأحدهما عند الشاك أو اعتدال النقيضين عند الإنسان وتساويهما، قد يكون لوجود أمارتين متساويتين عنده في النقيضين، أو لعدم الأمارة أو تلاصق النقيضين، فلا مدخل للفهم والرأي لتخلل ما بينهما، (فما لا سبب له لا يثبت عقده في النفس حتى يساوي العقد المقابل له فيصير شكا) ، وهو من شك العود فيما ينفذ فيه، لأنه يقف بذلك الشك بين جهتيه أو من شككته إذا خرقته، وكأنه بحيث الرائي مستقرا يثبت فيه ويعتمد عليه، أو من الشك، وهو لصوق العضد بالجنب، (ولهذا نقول: من شك أنه صلى ثلاثا ) أي: ثلاث ركعات (أو أربعا، أخذ بالثلاث إذ الأصل عدم) الركعة (الرابعة) ، فيبني على الناقص، (ولو سئل الإنسان أن صلاة الظهر التي صلاها قبل هذا بعشر سنين كانت أربعا أو ثلاثا ولم [ ص: 34 ] يتحقق قط أنها أربع) ركعات، (فهذا التجويز لا يكون شكا إذ لم يحضره سبب أوجب اعتقاد كونه ثلاثا، فليفهم حقيقة الشك) ما هي (حتى لا يشتبه بالوهم) الذي هو سبق القلب إلى الشيء مع إرادة غيره، (والتجويز بغير سبب) ، أي: تجويز الأشياء بغير أن يوجد هناك ما يوجب تجويزه، (فهذا يلحق بالحلال المطلق، ويلحق بالحرام المحض ما تحقق تحريمه) بالكتاب أو السنة أو بإجماع الأمة، (وأمكن طريان محلل، ولكن لم يدل عليه سبب) للتحليل، (كمن في يده طعام لمورثه الذي لا وارث له سواه، فغاب عنه) المورث، (فقال: يحتمل أنه) قد (مات، وقد انتقل الملك إلي، فإقدامه عليه) حينئذ بذلك القائم في نفسه (إقدام على حرام محض; لأنه احتمال لا مستند له، فلا ينبغي أن يعد هذا النمط) وأشباهه (من أقسام الشبهات، وإنما الشبهة نعني بها ما اشتبه علينا أمره ) ، في الحلية والحرمة (بأن تعارض لنا فيه اعتقادان صدرا عن سببين مقتضيين للاعتقادين) المذكورين .




الخدمات العلمية