الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وأما الأخبار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ويلهمه رشده وقال صلى الله عليه وسلم : " العلماء ورثة الأنبياء " ومعلوم أنه لا رتبة فوق النبوة ، ولا شرف فوق شرف الوراثة لتلك الرتبة .

وقال صلى الله عليه وسلم : " يستغفر للعالم ما في السموات والأرض " وأي منصب يزيد على منصب من تشتغل ملائكة السموات والأرض بالاستغفار له .

وقال صلى الله عليه وسلم : " إن الحكمة تزيد الشريف شرفا ، وترفع المملوك حتى يدرك مدارك الملوك " وقد نبه بهذا على ثمراته في الدنيا ، ومعلوم أن الآخرة خير وأبقى .

وقال صلى الله عليه وسلم : خصلتان لا يكونان في منافق : حسن سمت وفقه في الدين ولا تشكن في الحديث ؛ لنفاق بعض فقهاء الزمان فإنه ما أراد به الفقه الذي ظننته وسيأتي معنى الفقه .

وأدنى درجات الفقيه أن يعلم أن الآخرة خير من الدنيا ، وهذه المعرفة إذا صدقت وغلبت عليه برئ بها من النفاق والرياء .

وقال صلى الله عليه وسلم : " أفضل الناس المؤمن العالم ، الذي إن احتيج إليه نفع ، وإن استغني عنه أغنى نفسه وقال صلى الله عليه وسلم: الإيمان عريان ولباسه التقوى وزينته الحياء وثمرته العلم " وقال صلى الله عليه وسلم : " أقرب الناس من درجة النبوة أهل العلم والجهاد ، أما أهل العلم فدلوا الناس على ما جاءت به الرسل ، وأما أهل الجهاد فجاهدوا بأسيافهم على ما جاءت به الرسل " وقال صلى الله عليه وسلم : " لموت قبيلة أيسر من موت عالم وقال عليه الصلاة والسلام " " الناس معادن كمعادن الذهب والفضة فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا "

التالي السابق


(الأخبار) جمع خبر، وقد تقدم الفرق بينه وبين الأثر:

الأول: (قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-) كذا في النسخ، ونقل التاج السبكي عن بعض الشافعية كراهة ذلك، وإنما يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإنه أدل على التعظيم .

("من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) متفق عليه من حديث معاوية، قاله العراقي.

قلت: وكذا أخرجه الإمام أحمد من طريقه، والترمذي وأحمد أيضا عن ابن عباس، وابن ماجه عن أبي هريرة.

قال الحافظ ابن حجر: وقد أخرجه أبو يعلى من حديث معاوية من وجه آخر ضعيف، وزاد في آخره: "ومن لم يفقهه في الدين لم يبال الله به" قال العراقي، وأما قوله: "ويلهمه رشده" فعند الطبراني في الكبير. اهـ .

قلت: ورواه مع هذه الزيادة أيضا أبو نعيم في الحلية عن ابن مسعود، وسنده حسن، وفي الصحيحين ومسند أحمد بعد قوله: "في الدين" زيادة: "إنما أنا قاسم والله يعطي، ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله عز وجل".

قال بعض الشراح: إن لم نقل بعموم "من" فالأمر واضح؛ إذ هو في قوة بعض من أريد له الخير، وإن قلنا بعمومها يصير المعنى: كل من يراد به الخير، وهو مشكل بمن مات قبل البلوغ مؤمنا ونحوه، فإنه قد أريد به الخير وليس بفقيه، ويجاب بأنه عام مخصوص، كما هو أكثر العمومات، أو المراد: من يرد الله به خيرا خاصا، على حذف الصفة. اهـ .

قال شيخ مشايخنا أبو الحسن السندي في حاشية البخاري: الوجه حمل الخير على العظيم، على أن التنكير للتعظيم، فلا إشكال، على أنه يمكن حمل الخير على الإطلاق، واعتبار تنزيل من لم يتفقه في الدين منزلة العدم بنسبته إلى الفقيه في الدين، فيكون الكلام مبنيا على المبالغة، كأن من لم يعط الفقه في الدين ما أريد به الخير. وما ذكر من الوجوه لا يناسب المقصود .

ويمكن حمل "من" على المكلفين; لأن كلام الشارع غالبا يتعلق ببيان أحوالهم، فلا يرد من مات قبل البلوغ، أو أسلم ومات قبل مجيء وقت الصلاة مثلا، أي: قبل تقرر التكليف. والله أعلم. اهـ .

وقال القسطلاني: قوله يفقهه، أي: يجعله فقيها في الدين، والفقه لغة الفهم، والحمل عليه هنا أولى من الاصطلاحي؛ ليعم فهم كل علم من علوم الدين، ومن في الحديث موصولة، تضمنت معنى الشرط، وخيرا نكرة في سياق الشرط فتصير كالنكرة في سياق النفي، أي: جميع الخيرات. اهـ .

وفيه أمران:

الأول: ما ذكره في أن من موصولة، وأنها تضمنت معنى الشرط، وهو صريح في أنها عوملت معاملته في الجزم بها، وكلام المغني صريح في خلافه؛ حيث قال: "من" على أربعة أوجه: شرطية [ ص: 71 ] واستفهامية وموصولة ونكرة موصوفة، ثم قال: تقول: من يكرمني أكرمه، فيحتمل من الأوجه الأربعة، فإن قدرتها شرطية جزمت الفعلين، أو موصولة أو موصوفة رفعتهما، أو استفهامية رفعت الأول وجزمت الثاني; لأنه جواب بغير الفاء. اهـ. والحديث محتمل الموصول والموصوف والنكرة الموصوفة أيضا، فتأمل .

والثاني: أن النكرة في سياق النفي أو الشرط لا تعم بهذا الوجه، أي بأن يراد بها جميع الأفراد مرة واحدة، وإنما تعم بمعنى "من يرد الله به خيرا" أي خير كان، كما يقال: جاءني رجل، أو أحد من الرجال، وأيضا: من يرد الله به جميع الخيرات يفقهه في الدين، يفيد أن حيازة جميع الخيرات لا تتم بلا فقه في الدين، فإنه أمر ظاهر، ولا يفيد أن الفقه في الدين لبيان كيفية إعطاء جميع الخيرات الذي يتضمنه الشرط والجزاء قد يقصد به ذلك، فتأمل .

قال ابن القيم: وهذا إذا أريد بالفقه العلم المستلزم للعمل، وأما إن أريد به مجرد العلم فلا يدل على أن من فقه في الدين أراد به خيرا؛ فإن الفقه حينئذ يكون شرطا لإرادة الخير، وعلى الأول يكون موجبا .

الثاني: (وقال عليه السلام: "العلماء ورثة الأنبياء") أخرجه أبو داود والترمذي، وابن ماجه، وابن حبان في صحيحه من حديث أبي الدرداء، قاله العراقي.

وقال السخاوي في المقاصد: رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وآخرون، عن أبي الدرداء به مرفوعا بزيادة: "وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، إنما ورثوا العلم" وصححه ابن حبان، والحاكم، وغيرهما، وحسنه حمزة الكناني، وضعفه غيرهم بالاضطراب في سنده، لكن له شواهد يتقوى بها، ولذا قال شيخنا: له طرق يعرف بها أن للحديث أصلا. اهـ .

ثم قال السخاوي: ولفظ الترجمة عند الديلمي من حديث محمد بن مطرف، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب بزيادة "يحبهم أهل السماء ويستغفر لهم الحيتان في البحر، إذا ماتوا" وكذا ورد لفظ الترجمة بلا سند عن أنس بزيادة: "وإنما العالم من عمل بعلمه" اهـ .

قلت: وبمثل زيادة الديلمي عن البراء أورده ابن النجار في تاريخه عن أنس، وقال البدر الزركشي في اللآلئ المنثورة: هو بعض حديث أخرجه أصحاب السنن، وأحمد في مسنده، والطبراني في معجمه، وابن حبان في صحيحه. اهـ .

وفي كتاب الضعفاء للدارقطني من حديث جابر بن عبد الله رفعه: "أكرموا العلماء; فإنهم ورثة الأنبياء" قال: فيه الضحاك بن ضمرة، ولا يجوز الاحتجاج به .

وقد روي: "العلماء ورثة الأنبياء" بأسانيد صحيحة، رواه أبو عمر من حديث الوليد بن مسلم، عن خالد بن يزيد، عن عثمان بن أيمن، عن أبي الدرداء. اهـ .

وأخرج الخطيب في تاريخه من حديث نافع، عن ابن عمر رفعه: "حملة العلم في الدنيا خلف الأنبياء، وفي الآخرة من الشهداء" قال: حديث منكر، لم نكتبه إلا بهذا السند، وهو غير ثابت .

وإنما سمي العلماء ورثة الأنبياء؛ لقوله تعالى: ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا الآية. اهـ .

قال الحافظ في الفتح: أورده البخاري في صحيحه، ولم يفصح بكونه حديثا؛ فلهذا لا يعد في تعاليقه، لكن إيراده في الترجمة يشعر بأن له أصلا، وشاهده في القرآن قوله تعالى: ثم أورثنا الكتاب الآية، وله شواهد يتقوى بها، ومثله للعيني، وزاد للعلل التي ذكرناها، يعني ما نذكره في أول حديث فضل التعليم، وخالفهما الكرماني في شرحه، فقال: أورده البخاري تعليقا; لأنه ليس على شرطه، فتأمل .

(ومعلوم أنه لا رتبة فوق رتبة النبوة، ولا شرف فوق شرف الوراثة لتلك الرتبة) .

الثالث: (وقال عليه السلام: "يستغفر للعالم ما في السماوات والأرض" وأي منصب يزيد على منصب من تشتغل ملائكة السماوات والأرض بالاستغفار له، فهو مشغول بنفسه، وهم مشغولون بالاستغفار له) .

قال العراقي: هو بعض حديث أبي الدرداء المتقدم .

قلت: هذه الزيادة بمعناها أيضا في حديث البراء بن عازب كما عند الديلمي، وأنس بن مالك كما عند ابن النجار، وقد سبق قريبا، وسيأتي له بمعناها من حديث الترمذي عن أبي أمامة في الحديث الثاني عشر .

وأخرج ابن عبد البر في العلم من طريق أنس: " وإن طالب العلم يستغفر له كل شيء حتى الحيتان في البحر" يعني أن العالم لما كان سببا في حصول العلم الذي به نجاة النفوس من أنواع المهلكات، كان سعيه مقصورا على هذا، وكانت نجاة العباد على يديه، جوزي من جنس عمله، وجعل من في السماوات والأرض ساعيا في نجاته من أسباب الهلاك [ ص: 72 ] باستغفارهم .

وقوله: "من في السموات والأرض" عام في الحيوانات، ناطقها وبهيمها، طيرها وغيره .

الرابع: (وقال عليه السلام: "إن الحكمة تزيد الشريف شرفا، وترفع المملوك حتى يدرك مدارك الملوك" وقد نبه بهذا على ثمرته في الدنيا، ومعلوم أن الآخرة خير وأبقى) .

قال العراقي: رواه أبو نعيم في الحلية، وابن عبد البر في بيان العلم، وعبد الغني الأزدي في أدب المحدث من حديث أنس بإسناد ضعيف اهـ .

قلت: أورده الجلال في ذيله، وعزاه فيه إلى أبي نعيم، وفي الصغير إليه وإلى ابن عدي، وكلاهما من طريق أنس بلفظ: "الحكمة تزيد الشريف شرفا" والباقي سواء، قال المناوي: هو من حديث عمر بن حمزة، عن صالح، عن الحسن، عن أنس، وقال أبو نعيم: غريب، تفرد به عن صالح، وقال العسكري: ليس هذا من المرفوع بل من كلام الحسن وأنس. اهـ .

وأخرج الدينوري في المجالسة قال: حدثنا عبد الرحمن بن فراس، حدثنا محمد بن الحارث المروزي، حدثنا العلاء بن عمرو الحنفي، حدثنا ابن أبي زائدة، عن أبي خلدة، عن أبي العالية قال: كنت آتي ابن عباس وقريش حوله، فيأخذ بيدي فيجلسني معه على السرير، فتغامزت في قريش، ففطن لهم ابن عباس فقال: "هكذا العلم، يزيد الشريف شرفا، ويجلس الملوك على الأسرة" اهـ .

وهذا عطاء بن أبي رباح أحد الموالي لما دخل على هشام بن عبد الملك كان عليه قميص دنس، وجبة دنسة، وقلنسوة لاطية دنسة على حمار إكافه خشب، فلما رآه قال: مرحبا مرحبا، ههنا ههنا، فرفعه حتى مست ركبته ركبته، وعنده أشراف الناس يتحدثون فسكتوا .

وقال إبراهيم الحربي: كان عطاء عبدا أسود كأن أنفه باقلات، قال: وجاء سليمان بن عبد الملك إليه هو وابناه، فجلسوا إليه وهو يصلي، فلما صلى انفتل عليهم، فما زالوا يسألونه عن مناسك الحج، وقد حول قفاه إليهم، ثم قال سليمان لابنيه: قوما، فقاما، فقال: يا بني لا تنيا في طلب العلم؛ فإني لا أنسى ذلنا بين يدي هذا العبد الأسود .

وقال أبو العالية: كنت آتي ابن عباس وهو على سريره، وحوله قريش، فيأخذ بيدي فيجلسني معه على السرير، فتغامز في قريش، ففطن لهم ابن عباس، فقال: كذا هذا العلم يزيد الشريف شرفا، ويجلس المملوك على الأسرة .

وكان محمد بن عبد الرحمن الأوقص عنقه داخل في بدنه، وكان منكباه خارجين كأنهما زجان، فقالت أمه: يا بني لا تكون في مجلس إلا كنت المضحوك المسخور به، فعليك بطلب العلم، فإنه يرفعك، فولي قضاء مكة عشرين سنة، وكان الخصم إذا جلس بين يديه يرعد حتى يقوم .

الخامس: (وقال عليه السلام: خصلتان لا يكونان) وفي رواية: لا يجتمعان (في منافق: حسن سمت) .

قال ابن الأثير: أي: حسن الهيئة والمنظر في الدين، وفي الفائق: حسن السمت أخذ التهجد ولزوم المحجة، ثم قيل لكل طريقة ينتحيها الإنسان في تحري الخير والتزيي في زي الخير: سمت .

(وفقه في دين) وفي بعض الروايات: في الدين، وفي أخرى: والفقه في الدين، قال السيوطي: حسن عطفه على ما قبله وهو مثبت; لأنه في سياق النفي. قال التوربشتي: حقيقة الفقه في الدين ما وقع في القلب، ثم ظهر على اللسان فأفاد العلم، وأورث التقوى والخشية، وأما ما يتدارسه المغرورون فإنه بمعزل عن ذلك .

وإليه أشار المصنف بقوله: (ولا تشكن في) هذا (الحديث؛ لنفاق بعض فقهاء الزمان) من علماء الدنيا; فإنهم يبطنون من الحب والميل للدنيا والرياسة والجاه خلاف ما يظهرون من الزهد وشعار الورع (فإنه ما أراد الفقه الذي ظننته) بل ما ذكرناه .

قال ابن القيم: وهذه شهادة بأن من اجتمع فيه حسن السمت والفقه في الدين من أخص علامات الإيمان، ولن يجمعهما الله في منافق، فإن النفاق ينافيهما وينافيانه .

وقال السيوطي: ليس المراد أن واحدة منهما قد تحصل في المنافق دون الأخرى، بل هو تحريض للمؤمن على اتصافه بهما معا، والاجتناب عن ضدهما، فإن المنافق من يكون عاريا عنهما، وهذا من باب التغليظ. اهـ .

قال العراقي: أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة، وقال: حديث غريب. اهـ .

قلت: قال الترمذي: حدثنا أبو كريب، حدثنا خلف بن أيوب، عن عوف، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكره، ثم قال: هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث عوف إلا [ ص: 73 ] من هذا الشيخ خلف بن أيوب العامري، ولم أر أحدا يروي عنه غير أبي كريب محمد بن العلاء، ولا أدري كيف هو. اهـ .

ولذلك قال غير واحد: إن إسناده ضعيف، وخرجه ابن المبارك في الزهد من رواية محمد بن حمزة بن عبد الله بن سلام مرسلا، ولفظه: لا يكونان، كما في سياق المصنف .

(وسيأتي) بيان (معنى الفقه، وأدنى درجات الفقيه أن تكون الآخرة عنده خيرا من الدنيا، وهذه المعرفة إذا صدقت وغلبت تبرأ بها من النفاق والرياء) .

السادس: (وقال عليه السلام: "الإيمان عريان، ولباسه التقوى، وزينته الحياء، وثمرته العلم") أخرجه الحاكم في تاريخ نيسابور عن أبي الدرداء بإسناد ضعيف، قاله العراقي.

قلت: هو في كتاب القوت لأبي طالب عن وهب بن منبه، قال: وقد أسنده حمزة الخراساني عن الثوري، فرفعه إلى عبيد الله، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: وقد رويناه أيضا مسندا. اهـ .

وأورده الراغب في الذريعة من غير إسناد، وكذا عبد الرحمن بن عبد السلام الصفوري في كتابه نزهة المجالس، عن وهب هكذا، إلا أنه ذكر بدل الجملة الثالثة "ورأس ماله الفقه" .

قلت: وحمزة الخراساني الذي روى عن الثوري إن كان هو حمزة بن بهرام فقد قال الذهبي في ذيل الديوان: إنه مجهول لا يعرف، ثم رأيت الشهاب الأبوصيري أورد في كتابه إتحاف المهرة، عن مسدد في مسنده: حدثنا يحيى، عن سفيان، حدثنا عبد العزيز بن ربيع، سمعت وهب بن منبه يقول: "الإيمان عريان، ولباسه التقوى" .

السابع: (وقال عليه السلام: "أفضل الناس المؤمن العالم، الذي إن احتيج إليه نفع، وإن استغني عنه أغنى نفسه") أخرجه البيهقي في شعب الإيمان موقوفا على أبي الدرداء بإسناد ضعيف، ولم أره مرفوعا، قاله العراقي.

وفي القوت: إنما العالم عندهم الغني بعلمه لا بعلم غيره، وكان الفقيه فيهم هو الفقيه بفقه علم، وقلبه لا يحدث سواه، كما جاء في الأثر "أي الناس أغنى؟ قال: العالم الغني بعلمه، إن احتيج إليه نفع، وإلا اكتفى عن الناس بعلمه" لأن كل عالم بعلم غيره فإنما صار عالما بمجموعه، فمجموعه هم العلماء، وكل فاضل بوصف سواه فموصوفه هم الفضلاء، فإذا تركهم وانفرد سكت، فلم يرجع إلى علم لنفسه يختص به، فصار في الحقيقة موصوفا بالجهل، واصفا لطريق أهل الفضل، موسوما بعلم السمع والنقل، ولا حال له ولا مقام. اهـ .

وفي معناه ما أخرجه الخطيب في تاريخه، عن عبد الله بن عمر: "وأفضل المؤمنين إيمانا الذي إذا سئل أعطى، وإذا لم يعط استغنى" وسنده ضعيف أيضا .

وأخرج أبو نعيم في الحلية من رواية محمد بن قدامة، قال: وسمعت سفيان بن عيينة يقول: قال لقمان: "خير الناس الحيي العيي" قيل: العيي من المال قال: ... الذي إذا احتيج إليه نفع، وإذا استغني عنه قنع. قيل: فمن شر الناس؟ قال: من لا يبالي أن يراه الناس مسيئا .

الثامن: (وقال عليه السلام: "أقرب الناس من درجة النبوة أهل العلم وأهل الجهاد، أما أهل العلم فدلوا الناس على ما جاءت به الرسل، وأما أهل الجهاد فجاهدوا بأسيافهم على ما جاءت به الرسل") أخرجه أبو نعيم في فضل العالم العفيف، من حديث ابن عباس بإسناد ضعيف، قاله العراقي .

وأورده صاحب القوت فقال: وقد روينا عن عبد الرحمن بن غنم، عن معاذ بن جبل، رفعه، فذكره، ويروى: "إن أقرب الناس" ثم قال: "ألا تراه كيف جعل العلم دالا على الله تعالى كالجهاد" أخرجه ابن القيم هكذا، فجعله من قول إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة.

التاسع: (وقال عليه السلام: " لموت قبيلة أيسر من موت عالم") أخرجه الطبراني وابن عبد البر من حديث أبي الدرداء، وأصل الحديث عند أبي داود، قاله العراقي.

قلت: الذي رواه الطبراني عن أبي الدرداء ورفعه: " موت العالم مصيبة لا تجبر، وثلمة لا تسد، وموت قبيلة أيسر من موت عالم، وهو نجم طمس" أورده السخاوي في المقاصد، وله شواهد منها ما أورده الزبير بن بكار في الوقفيات عن محمد بن سلام الجمحي، عن علي بن أبي طالب من قوله: "إذا مات العالم أثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها شيء إلى يوم القيامة" وهو معضل .

وأخرج أبو بكر بن لال في فوائده من حديث جابر مرفوعا: " موت العالم ثلمة في الإسلام لا تسد ما اختلف الليل والنهار".

وأخرج الديلمي عن ابن عمر: " ما قبض الله عالما إلا كان ثغرة في الإسلام لا تسد" وللبيهقي من حديث معروف بن خربوذ، عن أبي جعفر أنه قال: "موت عالم أحب إلى إبليس من [ ص: 74 ] موت سبعين عابدا".

وأخرج الحاكم من حديث عطاء، عن ابن عباس، في قوله تعالى: ننقصها من أطرافها قال: بموت علمائها وفقهائها. اهـ .

قلت: وأخرج أبو يعلى في مسنده من طريق عثمان بن أعين، عن أبي الدرداء بمثل ما قدمناه عن الطبراني، وفيه زيادة، ولكن في الإسناد رجل لم يسم .

العاشر: (وقال عليه السلام: " الناس معادن فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا") متفق عليه من حديث أبي هريرة، قاله العراقي.

قلت: زاد مسلم: " والأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف".

وأخرجه العسكري من حديث قيس بن الربيع، عن أبي حصين، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رفعه: " الناس معادن كمعادن الذهب والفضة".

قال السخاوي في المقاصد: ولأبي هريرة في المرفوع حديث آخر، لفظه: "الناس معادن في الخير والشر، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا" أخرجه الطيالسي، وابن منيع، والحارث بن أبي أسامة، وغيرهم، كالبيهقي من حديث ابن عون، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، وأصله في الصحيح، وللديلمي عن ابن عباس مرفوعا: "الناس معادن والعرق دساس". اهـ .

وأخرجه البيهقي أيضا عن ابن عباس، وفيه: "وأدب السوء كعرق السوء" وفقهوا بكسر القاف وبضمها، يقال: فقه كعلم زنة ومعنى، وككرم: صار فقيها، وسيأتي الزيادة لبيانه في أول الباب السادس .




الخدمات العلمية