وإن غلب الحل جاز له الإمساك ، والورع إخراجه ، وإن شك فيه جاز الإمساك والورع إخراجه ، وهذا الورع آكد لأنه صار مشكوكا فيه وجاز ، إمساكه اعتمادا على أنه في يده فيكون الحل أغلب عليه ، وقد صار ضعيفا بعد يقين اختلاط الحرام ، ويحتمل أن يقال الأصل التحريم ولا ، يأخذ إلا ما يغلب على ظنه أنه حلال ، وليس أحد الجانبين بأولى من الآخر ، وليس يتبين لي في الحال ترجيح وهو من المشكلات .
فإن قيل هب أنه أخذ باليقين لكن الذي يخرجه ليس يدري أنه عين الحرام ، فلعل الحرام ما بقي في يده ، فكيف يقدم عليه ، ولو جاز هذا لجاز أن يقال إذا ، فهي العشر فله أن يطرح واحدة ، أي واحدة كانت ، ويأخذ الباقي ويستحله ، ولكن يقال : لعل الميتة فيما استبقاه بل لو طرح التسع واستبقى واحدة لم تحل لاحتمال أنها الحرام ، فنقول : هذه الموازنة كانت تصح لولا أن المال يحل بإخراج البدل لتطرق المعاوضة إليه ، وأما الميتة فلا تتطرق المعاوضة إليها فليكشف الغطاء عن هذا الأشكال بالفرض في اختلطت ميتة بتسع مذكاة ، وقد سئل درهم معين اشتبه بدرهم آخر فيمن له درهمان ، أحدهما حرام قد ، اشتبه عينه رضي الله عنه عن مثل هذا ، فقال : يدع الكل حتى يتبين وكان قد رهن آنية فلما قضى الدين حمل إليه المرتهن آنيتين ، وقال : لا أدري أيتهما آنيتك فتركهما فقال المرتهن هذا الذي هو : لك وإنما كنت أختبرك فقضى دينه ، ولم يأخذ الرهن ، وهذا ورع ولكنا نقول : إنه غير واجب فلنفرض المسألة في درهم له مالك معين حاضر فنقول : إذا رد أحد الدرهمين عليه ورضي به مع العلم بحقيقة الحال حل له الدرهم الآخر ; لأنه لا يخلو إما أن يكون المردود في علم الله هو المأخوذ ، فقد حصل المقصود وإن ، كان غير ذلك فقد حصل لكل واحد درهم في يد صاحبه فالاحتياط أن يتبايعا باللفظ فإن لم يفعلا وقع التقاص والتبادل بمجرد المعاطاة ، وإن كان المغصوب منه قد فات له درهم في يد الغاصب وعسر الوصول إلى عينه ، واستحق ضمانه فلما أخذه وقع عن الضمان بمجرد القبض ، وهذا في جانبه واضح ، فإن المضمون له يملك الضمان بمجرد القبض من غير لفظ والإشكال في الجانب الآخر أنه لم يدخل في ملكه فنقول : لأنه أيضا إن كان قد تسلم درهم نفسه ، فقد فات له أيضا درهم في يد الآخر فليس يمكن الوصول إليه ، فهو كالغائب فيقع هذا بدلا عنه في علم الله إن كان الأمر كذلك ويقع هذا التبادل في علم الله كما يقع التقاص لو أتلف رجلان كل واحد منهما درهما على صاحبه ، بل في عين مسألتنا لو ألقى كل واحد ما في يده في البحر أو أحرقه كأن قد أتلفه ولم يكن عليه عهدة للآخر بطريق التقاص فكذا إذا لم يتلف فإن القول بهذا أولى من المصير إلى أن من يأخذ درهما حراما ويطرحه في ألف ألف درهم لرجل آخر يصير كل المال محجورا عليه لا يجوز التصرف فيه ، وهذا المذهب يؤدي إليه فانظر ما في هذا من البعد وليس فيما ذكرناه إلا ترك اللفظ . أحمد بن حنبل