الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الدرجة الثالثة أن يأخذ ما أخذه من السلطان ليتصدق به على الفقراء أو يفرقه على المستحقين ، فإن ما لا يتعين مالكه هذا حكم الشرع فيه .

فإذا كان السلطان إن لم يأخذ منه لم يفرقه واستعان به على ظلم فقد نقول أخذه منه وتفرقته أولى من تركه في يده ، وهذا قد رآه بعض العلماء وسيأتي وجهه .

وعلى هذا ينزل ما أخذه أكثرهم ولذلك قال ابن المبارك إن الذين يأخذون الجوائز اليوم ويحتجون بابن عمر وعائشة ما يقتدون بهما لأن ابن عمر فرق ما أخذ حتى استقرض في مجلسه بعد تفرقته ستين ألفا وعائشة فعلت مثل ذلك وجابر بن زيد جاءه مال فتصدق به وقال : رأيت أن آخذه منهم وأتصدق أحب إلي من أن أدعها في أيديهم وهكذا فعل الشافعي رحمه الله بما قبله من هارون الرشيد فإنه فرقه على قرب حتى لم يمسك لنفسه حبة واحدة .

التالي السابق


( الثالثة أن يأخذ ما أخذه من السلطان ليتصدق به على الفقراء أو يفرقه على المستحقين ، فإن) كل (ما لا يتعين مالكه هذا حكم الشرع فيه) ، كما تقدم، (فإن كان السلطان) بحيث (إن لم يؤخذ منه) ذلك المال (ولم يفرقه) على أرباب الاستحقاق (استعان به على ظلمه) وما يحمله على ارتكاب أسبابه، (فقد نقول) إن (أخذه منه وتفرقته) على من يستحقه (أولى من تركه في يده، وهذا قد رآه بعض العلماء) جائزا، (وسيأتي وجهه) فيما بعد، (وعلى هذا ينزل ما أخذه أكثرهم) متأولين بما ذكر، (وكذا قال ابن المبارك ) رحمه الله تعالى: (إن الذين يأخذون الجوائز اليوم) من السلاطين (ويحتجون بابن عمر وعائشة ) رضي الله عنهما وبغيرهما (ما يقتدون بهم لأن ابن عمر فرق ما أخذ) جميعه (حتى استقرض في مجلسه بعد تفرقته ستين ألفا) ، كما ذكر قريبا، ( وعائشة رضي الله عنها فعلت مثل ذلك) .

وفي القوت: قال أبو عبد الله : من أعطى هذا أو حوبي على أثره فليقبل وليفرق كما فعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعث عمر بمال إلى أبي عبيدة ففرق ، وبعث مروان إلى أبي هريرة ففرق، وبعث إلى ابن عمر ففرق، وبعث إلى عائشة ففرقت ، قال المروزي : قلت لأبي عبد الله ، فعلى أي وجه قبلها [ ص: 118 ] منهم ابن عمر ، فإن قوما يحتجون يقولون: لو لم يكن مباحا لما أخذ فأنكر ذلك وقال: إنه لما رأى أنه حوبي كره أن يرد إليهم وفرقه بالسوية، قلت: فإن هذا فضل عنده دينار، فطلبت منه امرأته فأعطاها، فقال: كانت محتاجة إليه، فقلت له: أنت تقول: من بلي من هذا المال بشيء، فليعدل في تفريقه وعائشة رضي الله عنها لما شكا ابن المنكدر إليها قالت: لو أن لي عشرة آلاف لأعنتك، فلا حرج أرسل إليها بعشرة آلاف، فبعثت خلفه فأعطته فقال: إنها كانت بليت بقولها، ومع هذا قد أخرجته ، وذكر من زهدها وورعها اهـ .

(وجابر بن يزيد) أبو الشعثاء البصري (قبل) مالا، (فتصدق به وقال: رأيت أني آخذ منهم وأتصدق أحب إلي من أن أدعه في أيديهم) ، وحاله في الورع مشهور، (وهكذا فعل الشافعي ) رحمه الله تعالى (بما قبله من هارون الرشيد ) ، وهو ألف دينار، (فإنه فرقه) على قريش كله (عن قرب حتى لم يمسك لنفسه حبة واحدة) ، وقد ذكر ذلك في ترجمته في كتاب العلم .




الخدمات العلمية