الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وأما الآثار فقد قال حذيفة إياكم ومواقف الفتن ، قيل وما هي قال : أبواب الأمراء يدخل أحدكم على الأمير فيصدقه بالكذب ويقول ما ليس فيه .

وقال أبو ذر لسلمة يا سلمة لا تغش أبواب السلاطين ، فإنك لا تصيب من دنياهم شيئا إلا أصابوا من دينك أفضل منه وقال سفيان في جهنم واد لا يسكنه إلا القراء الزوارون للملوك .

وقال الأوزاعي ما من شيء أبغض إلى الله من عالم يزور عاملا .

وقال سمنون ما أسمج بالعالم أن يؤتى إلى مجلسه فلا يوجد ، فيسأل عنه فيقال : عند الأمير .

، وكنت أسمع أنه يقال : إذا رأيتم العالم يحب الدنيا فاتهموه على دينكم حتى جربت ذلك إذ ما دخلت قط على هذا السلطان إلا وحاسبت نفسي بعد الخروج فأرى عليها الدرك مع ما أواجههم به من الغلظة والمخالفة لهواهم .

وقال عبادة بن الصامت حب القارئ الناسك الأمراء نفاق ، وحبه الأغنياء رياء .

وقال أبو ذر من كثر سواد قوم فهو منهم ، أي من كثر سواد الظلمة .

التالي السابق


قال: (وأما الآثار فقد قال حذيفة) بن اليمان رضي الله عنه (إياكم ومواقف الفتن، قيل وما مواقف الفتن) يا أبا عبد الله، (قال: أبواب الأمراء يدخل أحدكم على الأمير فيصدقه بكذبه ويقول ما ليس فيه) . أخرجه أبو نعيم في الحلية، فقال: حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحاق عن عمارة بن عبد ، عن حذيفة قال: إياكم، فذكره، وهكذا أخرجها ابن أبي شيبة في المصنف، والبيهقي في الشعب، (وقال أبو ذر) الغفاري رضي الله عنه (لسلمة) بن قيس: ( لا تغش أبواب السلطان، فإنك لا تصيب من دنياهم شيئا إلا أصابوا من دينك أفضل منه ) . أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف، والبيهقي في الشعب بسندهما إلى سلمة بن قيس ثلاث فاحفظها: "لا تجمع بين الضرائر فإنك لا تعدل ولو حرصت، ولا تعمل على الصدقة، فإن صاحب الصدقة زائد وناقص، ولا تغش ذا سلطان فإنك تصيب" . فذكره وله شاهد من حديث عبد الله بن الحارث رفعه: "سيكون بعدي سلاطين الفتن على أبوابهم كمبارك الإبل، لا يعطون أحدا شيئا إلا أخذوا من دينه مثله" . أخرجه الحاكم وأخرج البيهقي عن وهب بن منبه أنه قال لعطاء : إياك وأبواب السلطان، فإن على أبواب السلطان فتنا كمبارك الإبل لا تصيب من دنياهم شيئا إلا أصابوا من دينك مثله" .

وأخرج ابن عساكر من طريق الأعمش عن مالك بن الحارث قال: قيل لعلقمة : ألا تدخل على السلطان فتنتفع؟ قال: إني لا أصيب من دنياهم شيئا إلا أصابوا من ديني مثله .

(وقال سفيان) بن سعيد الثوري رحمه الله تعالى: ( في جهنم واد لا يسكنه إلا القراء المراءون الزائرون الملوك ) ، أخرجه البيهقي من طريق بكر بن محمد العابد قال: سمعت الثوري يقول: "إن في جهنم لجبا تستعيذ منه جهنم كل يوم سبعين مرة، أعده الله للقراء الزائرين للسلطان" . وقد جاء في المرفوع نحوه، أخرجه ابن عدي من حديث أبي هريرة بلفظ: "إن في جهنم واديا تستعيذ منه كل يوم سبعين مرة، أعده الله للقراء المرائين بأعمالهم، وإن أبغض الخلق إلى الله عالم السلطان ، (وقال الأوزاعي ) رحمه الله تعالى: ( ما من شيء أبغض إلى الله من عالم يزور عاملا ) . قد جاء ذلك في المرفوع، أخرجه ابن لال والحافظ أبو الفتيان الدهقاني في كتاب التحذير من علماء السوء، والرافعي في تاريخ قزوين من حديث أبي هريرة : "إن أبغض الخلق إلى الله تعالى العالم يزور العمال" .

وأخرج ابن ماجه من حديثه: "إن أبغض القراء إلى الله الذين يزورون الأمراء" ، وفي حديثه أيضا فيما أخرجه ابن عدي وذكر قريبا: "وإن أبغض الخلق على الله عالم السلطان" . (وقال سمنون) العابد: ( ما أسمج بالعالم يؤتى إلى مجلسه فلا يوجد، فيسأل عنه فيقال: إنه عند الأمير ، وكنت أسمع) من الشيوخ (أنه يقال: إذا رأيتم العالم يحب الدنيا فاتهموه على دينكم ) ، هذا قد أخرجه أبو نعيم في الحلية من طريق هشام بن عباد قال: سمعت جعفر بن محمد يقول: "الفقهاء أمناء الرسل، فإذا رأيتم الفقهاء قد ركنوا إلى السلاطين فاتهموهم"، وتقدم في المرفوع من حديث أبي هريرة : "إذا رأيت العالم يخالط السلطان فاعلم أنه لص" .

وأخرج البيهقي عن يوسف بن أسباط قال: قال لي سفيان الثوري : "إذا رأيت القارئ يلوذ بالسلطان فاعلم أنه لص، وإذا رأيته يلوذ بالأغنياء فاعلم أنه مراء، وإياك أن تخدع فيقال لك: ترد مظلمة تدفع عن مظلوم، فإن هذه خدعة إبليس اتخذها القراء سلما" (حتى جربت) نفسي (إذ ما دخلت قط على هذا السلطان إلا وحاسبت نفسي بعد الخروج فأرى عليها الدرك) ، وهذا (مع ما أواجههم من الغلظة) أي: الكلام الغليظ، (والمخالفة لهواهم) أي: فكيف بمن يلين لهم ويطيعهم في هواهم، وكلام سمنون هذا قد تقدم في كتاب العلم. (وقال عبادة بن الصامت) الأوسي [ ص: 128 ] الأنصاري رضي الله عنه: ( حب القارئ الناسك للأمراء نفاق، وحبه للأغنياء رياء ) ، ويدل له قول سفيان السابق: إذا رأيت القارئ يلوذ بالسلطان فاعلم أنه لص، وإذا رأيته يلوذ بالأغنياء فاعلم أنه مراء ، (وقال أبو ذر ) رضي الله عنه: ( من كثر سواد قوم فهو منهم، أي من كثر سواد الظلمة ) هكذا رواه ابن المبارك في الزهد عنه موقوفا من غير التفسير السابق، وقد روي مرفوعا من حديث ابن مسعود : "أن رجلا دعا ابن مسعود إلى وليمة، فلما جاء ليدخل سمع لهوا فلم يدخل، فقيل له، فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، وذكره، وزاد: ومن رضي عمل قوم كان شريك من عمل به" . أخرجه أبو يعلى وعلي بن معبد في كتاب الطاعة، والديلمي ، وله شاهد من حديث ابن عمر عن أحمد وأبي داود : "من تشبه بقوم فهو منهم" .




الخدمات العلمية