الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
القسم الأول : وهو أشدها ما يتضرر به الناس كالظلم والغصب وشهادة الزور والغيبة والنميمة فهؤلاء الأولى الإعراض عنهم وترك مخالطتهم والانقباض عن معاملتهم ؛ لأن المعصية شديدة فيما يرجع إلى إيذاء الخلق .

ثم هؤلاء ينقسمون إلى من يظلم في الدماء وإلى من يظلم في الأموال وإلى من يظلم في الأعراض وبعضها أشد من بعض فالاستحباب في إهانتهم والإعراض عنهم مؤكد جدا ومهما كان يتوقع من الإهانة زجرا لهم أو لغيرهم كان الأمر فيه آكد وأشد .

. الثاني : صاحب الماخور الذي يهيئ أسباب الفساد ويسهل طرقه على الخلق فهذا لا يؤذي الخلق في دنياهم ولكن يختلس بفعله دينهم وإن كان وفق رضاهم فهو قريب من الأول ولكنه أخف منه ؛ فإن المعصية بين العبد وبين الله تعالى إلى العفو أقرب ولكن من حيث إنه متعد على الجملة إلى غيره فهو شديد وهذا أيضا يقتضي الإهانة والإعراض والمقاطعة وترك جواب السلام إذا ظن أن فيه نوعا من الزجر له أو لغيره .

. الثالث : الذي يفسق في نفسه بشرب خمر أو ترك واجب أو مقارفة محظور يخصه فالأمر فيه أخف ولكنه في وقت مباشرته إن صودف يجب منعه بما يمتنع به منه ولو بالضرب والاستخفاف فإن النهي عن المنكر واجب وإذا فرغ منه ، وعلم أن ذلك من عادته وهو مصر عليه ، فإن تحقق أن نصحه يمنعه عن العود إليه وجب النصح وإن لم يتحقق ولكنه كان يرجو فالأفضل النصح والزجر بالتلطف أو بالتغليظ إن كان هو الأنفع ، فأما الإعراض عن جواب سلامه والكف عن مخالطته حيث يعلم أنه يصر وأن النصح ليس ينفعه فهذا فيه نظر ، وسير العلماء فيه مختلفة ، والصحيح أن ذلك يختلف باختلاف نية الرجل فعند هذا يقال : الأعمال بالنيات .

التالي السابق


(القسم الأول: وهو أشدها) أي: أشد الأقسام الثلاثة (ما يتضرر به الناس كحال الظلم والغصب وشهادة الزور والغيبة والنميمة فهؤلاء الأولى الإعراض عنهم) بالكلية (وترك مخالطتهم والانقباض عن معاملتهم؛ لأن المعصية شديدة فيما يرجع إلى إيذاء الخلق) ؛ إذ ليس بعد الشرك أشد من الإضرار .

(ثم هؤلاء ينقسمون إلى من يظلم في الدماء) أي: بقتل النفوس (وإلى من يظلم في الأموال) أي: يأخذها من غير حق (وإلى من يظلم في الأعراض) أي: يهتكها (وبعضها أشد من بعض) فإن قتل النفوس أشد من أخذ الأموال وأخذ الأموال أشد من الوقوع في الأعراض (والاستحباب في إهانتهم) وإذلالهم (والإعراض عنهم مؤكد جدا ومهما كان يتوقع من) تلك (الإهانة زجر لهم أو لغيرهم كان الأمر فيه آكد وأشد .

الثاني: صاحب الماخور) أي: مجلس الفساق (الذي يهيئ أسباب الفساد) بالجمع بين الرجال والنساء (ويسهل سبيله) أي: الفساد (على الخلق) وفي نسخة: ويسهل طرقها على الخلق؛ أي: الأسباب (فهذا لا يؤذي الخلق في دنياهم ولكن يجتاح) أي: يستأصل (بفعله دينهم) ويهلكهم، وفي بعض النسخ: "يختلس" بدل "يجتاح" (وإن كان على وفق رضاهم فهو قريب من الأول ولكنه أخف منه؛ فإن المعصية بين الله) تعالى (وبين العبد إلى العفو أقرب) بناء على أن حقوق الله مبنية على المسامحة على قول، (ولكنه من حيث إنه متعد على الجملة إلى غيره فهو شديد) لأجل تعديه (وهذا أيضا يقتضي الإهانة والإعراض والمقاطعة وترك جواب السلام) له (إذا ظن أن فيه نوعا من الزجر له أو لغيره .

الثالث: الذي يفسق في نفسه كشرب خمر أو ترك واجب أو مقارفة محظور) شرعي (يخصه) في نفسه (فالأمر فيه أخف ولكنه في وقت مباشرته إن صودف يجب منعه بما يمتنع به منه) بأي حال كان (ولو بالضرب) إن أمكن (والاستخفاف) والإزراء (فإن النهي عن المنكر واجب، فإذا نزع عنه وعلم أن ذلك من عادته) اللازمة (وهو مصر عليه، فإن تحقق أن نصحه يمنعه من العود) إليه (وجب النصح) حينئذ (وإن لم يتحقق ولكنه كان يرجوه) منه (فالأفضل النصح والزجر بالتلطف أو بالتغليظ إن كان هو الأنفع، فأما الإعراض عن جواب سلامه والكف عن مخالطته حيث يعلم أنه مصر) عليه (وأن النصح ليس ينفعه فهذا فيه نظر، وسير العلماء فيه) أي: طرائقهم (مختلفة، والصحيح أن ذلك يختلف باختلاف نية الرجل فعند هذا يقال: الأعمال بالنيات) ، وقد تقدم، وسيأتي لذلك شرح وتفصيل في محله .




الخدمات العلمية