الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
فالفرق بين التوبيخ والنصيحة بالإسرار والإعلان كما أن الفرق بين المداراة والمداهنة بالغرض الباعث على الإغضاء .

فإن أغضيت لسلامة دينك ولما ترى من إصلاح أخيك بالإغضاء فأنت مدار وإن أغضيت لحظ نفسك واجتلاب شهواتك وسلامة جاهك فأنت مداهن .

وقال ذو النون لا تصحب مع الله إلا بالموافقة ولا مع الخلق إلا بالمناصحة ولا مع النفس إلا بالمخالفة ولا مع الشيطان إلا بالعداوة .

فإن قلت : فإذا كان في النصح ذكر العيوب ففيه إيحاش القلب فكيف يكون ذلك من حق الأخوة ؟ فاعلم أن الإيحاش إنما يحصل بذكر عيب يعلمه أخوك من نفسه فأما تنبيهه على ما لا يعمله فهو عين الشفقة وهو استمالة القلوب أعني قلوب العقلاء وأما الحمقى فلا يلتفت إليهم فإن من ينبهك على فعل مذموم تعاطيته أو صفة مذمومة اتصفت بها لتزكي نفسك عنها كان كمن ينبهك على حية أو عقرب تحت ذيلك وقد همت بإهلاكك فإن كنت تكره ذلك فما أشد حمقك ! .

التالي السابق


(والفرق بين التوبيخ والنصيحة بالإسرار والإعلان) وكذلك بين العتاب والنصيحة وكذلك بين الفضيحة والنصيحة فما كان في السر فهو نصيحة وما كان في العلانية فهو توبيخ وعتاب وفضيحة، وقلما تصح فيه النية لوجه الله تعالى؛ لأن فيه شناعة (كما أن الفرق بين المداراة والمداهنة بالغرض الباعث على الإغضاء إن أغضيت لسلامة دينك ولما تترقبه من إصلاح أخيك) بصلاح قلبه وسلامته من الإثم (بالإغضاء) وأردت [ ص: 225 ] به وجه الله (فأنت مدار وإن أغضيت لحظ نفسك واجتلاب شهوتك) من دنيا وغيرها (وسلامة جاهك) من الانحطاط (فأنت مداهن) وكذلك الفرق بين الغبطة والحسد وبين الفراسة وسوء الظن بما سيأتي بيان كل من ذلك في موضعه، قال صاحب القوت: فهذه خمس معان وأضدادها بينها فرق عند العلماء؛ فاعرف ذلك .

(وقال ذو النون) المصري -رحمه الله تعالى- (لا تصحب مع الله إلا بالموافقة) في أمره نهيه (ولا مع الخلق إلا بالمناصحة) لهم وعدم غشهم (ولا مع النفس إلا بالمخالفة) لها لأنها مائلة بطبعها إلى كل لذيذ ونافرة بطبعها من كل كريه (ولا مع الشيطان إلا بالعداوة) له؛ قال الله تعالى: إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا أخرجه القشيري في الرسالة (فإن قلت: فإذا كان في النصح ذكر العيوب ففيه إيحاش للقلب فكيف يكون ذلك من حق الأخوة؟ فاعلم أن الإيحاش إنما يحصل بذكر عيب يعلمه أخوك من نفسه) أنه فيه ذلك العيب (فأما تنبيهه على ما لا يعلمه فهو من الشفقة) وفي نسخة: فهو عين الشفقة (وهم استمالة للقلوب) أي: طلب لميلها إلى الحق (أعني قلوب العقلاء) الصافية النقية (وأما الحمقى) الذين فسد جوهر عقلهم (فلا يلتفت إليهم فإن من نبهك على فعل مذموم تعاطيته أو صفة مذمومة اتصفت بها لتزكي نفسك عنها) وتطهرها عن المذام (كان كمن ينبهك على حية أو عقرب تحت ذيلك وأنت لا ترى) وقد همت بإهلاكك (فإن كنت تكره ذلك فما أشد حمقك!) وما أبلد فهمك!




الخدمات العلمية