الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وقال عليه السلام : لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام وإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروه إلى أضيقه .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تصافحوا أهل الذمة ولا تبدءوهم بالسلام فإذا لقيتموهم في الطريق فاضطروهم إلى أضيق الطرق .

قالت عائشة رضي الله عنها إن رهطا من اليهود دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : السام عليك فقال النبي صلى الله عليه وسلم عليكم: قالت ، عائشة رضي الله عنها: فقلت: بل : عليكم السام واللعنة ، فقال عليه السلام: يا عائشة : إن الله يحب الرفق في كل شيء ، قالت عائشة : ألم تسمع ما قالوا ؟ قال : فقد قلت : عليكم .

وقال صلى الله عليه وسلم : يسلم الراكب على الماشي والماشي على القاعد والقليل على الكثير والصغير على الكبير .

وقال عليه السلام : لا تشبهوا اليهود بالنصارى فإن تسليم اليهود بالإشارة بالأصابع وتسليم النصارى بالإشارة بالأكف ، قال : أبو عيسى إسناده ضعيف .

وقال صلى الله عليه وسلم : إذا انتهى أحدكم إلى مجلس فليسلم فإن بدا له أن يجلس فليجلس ثم إذا قام فليسلم فليست الأولى بأحق من الأخيرة .

.

التالي السابق


(وقال -صلى الله عليه وسلم- لا تبدءوا اليهود و) لا (النصارى بالسلام) لأن السلام إعزاز وإكرام ولا يجوز ذلك لهم بل ينبغي الإعراض عنهم وترك الالتفات تصغيرا لشأنهم وتحقيرا (وإذا لقيتم أحدا منهم في طريق) فيه زحمة (فاضطروهم) وفي لفظ فاضطروه أي: ألجئوه (إلى أضيقه) بحيث لا يقع في وهدة ولا يصدمه نحو جدار، فإن كان الطريق واسعا فلا تضيق عليهم؛ لأنه إيذاء بلا سبب، وقد نهينا عن إيذائهم. قاله القرطبي، قال العراقي: رواه مسلم من حديث أبي هريرة. اهـ .

قلت: أخبرنا عمر بن أحمد بن عقيل، أخبرنا علي بن عبد القادر الطبري عن أبيه أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الحافظ أخبرنا أحمد بن علي الحافظ أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد بن مبارك أخبرنا علي بن إسماعيل بن قريش أخبرنا عبد المنعم الحراني عن أبي الحسن الجمال أخبرنا أبو علي الحداد أخبرنا أبو نعيم قال: حدثنا عبد الله بن جعفر حدثنا يونس بن حبيب حدثنا أبو داود الطيالسي حدثنا شعبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال في أهل الكتاب: "لا تبدءوهم بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقها" أخرجه أحمد عن محمد بن جعفر عن شعبة فوقع لنا بدلا عاليا .

وأخرجه مسلم عن محمد بن المثنى عن محمد بن جعفر وأخرجه أبو عوانة في صحيحه عن يونس بن حبيب فوقع [ ص: 278 ] لنا موافقة عالية (وعن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا تصافحوا أهل الذمة ولا تبدءوهم بالسلام) لم يذكره العراقي.

وأخرجه البيهقي في الشعب من حديث علي بلفظ: "لا تصافحوهم ولا تبدءوهم بالسلام ولا تعودوا مرضاهم ولا تضلوا عليهم وألجئوهم إلى مضايق الطرق وصغروهم كما صغرهم الله".

(وقالت عائشة -رضي الله عنها- إن رهطا من اليهود دخلوا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: السام عليك، فقالت عائشة:) ففهمتها فقلت: (عليكم السام واللعنة، فقال -صلى الله عليه وسلم-: إن الله يحب الرفق في كل شيء، قالت: ألم تسمع ما قالوا؟ قال: فقد قلت: عليكم) متفق عليه من طريق الزهري عن عروة عنها وفيه "ألم تسمع ما قالوا" لفظ مسلم عن سفيان "قد قلت: عليكم" بلا واو، ولفظ شعيب عند البخاري "وعليكم" .

وأخرج البزار هذا الحديث من وجه آخر عن أنس فيه زيادة، فقال في روايته: "فقالوا: السام عليكم" أي: تسامون دينكم، وقال في آخره: "عليكم" أي: عليكم ما قلتم هكذا في نفس الحديث، ويغلب على الظن أن التفسير مدرج في الخبر من بعض رواته لكن الإدراج لا يثبت بالاحتمال، وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة عن هشام بن زيد عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: أتى رجل من أهل الكتاب فسلم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: السام عليك، فقال عمر -رضي الله عنه-: ألا أضرب عنقه؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم".

وأخرجه أحمد عن سليمان بن داود وروح بن عبادة كلاهما عن شعبة وقال بعد قوله "عنقه" فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا" .

وأخرجه البخاري من طريق ابن المبارك عن شعبة وفيه: "فقالوا: ألا نقتله ولم يسم عمر" .

وأخرجه الطبراني في الكبير من حديث زيد بن أرقم قال: بينما أنا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ أقبل رجل من اليهود، يقال له ثعلبة بن الحارث، فقال: السام عليك يا محمد، الحديث. وسنده واه إلا أنه يستفاد منه تسمية الذي سلم .

وقال أبو نعيم في المستخرج: حدثنا محمد بن إبراهيم حدثنا محمد بن بركة حدثنا يوسف بن سعيد حدثنا حجاج بن محمد قال: قال ابن جريج: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا -رضي الله عنه- يقول: سلم ناس من اليهود على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: السام عليك يا أبا القاسم، فقال: وعليكم، فقالت عائشة - رضي الله عنها- وغضبت: ألم تسمع ما قالوا؟ قال: "بل قد سمعت ورددتها عليهم، إنا نجاب عليهم ولا يجابون علينا". أخرجه مسلم عن حجاج بن الشاعر وهارون الحمال كلاهما عن حجاج بن محمد، ويستفاد منه رفع إشكال العطف في الجواب .

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: يسلم الراكب على الماشي والماشي على القاعد والقليل على الكثير والصغير على الكبير) .

قال العراقي: متفق عليه من حديث أبي هريرة ولم يقل مسلم: والصغير على الكبير اهـ .

قلت: قال أبو محمد الفاكهي في تاريخ مكة: أخبرنا أبو يحيى ابن أبي مسرة، قال: حدثنا أبي حدثنا هشام بن سليمان عن ابن جريج قال: أخبرني زياد يعني ابن سعد أن ثابتا يعني ابن عياض مولى عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أخبره أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يسلم الراكب على الماشي والماشي على القاعد والقليل على الكثير" أخرجه الحارث بن أبي أسامة وأحمد جميعا عن روح بن عبادة عن ابن جريج.

وأخرجه البخاري عن إسحاق بن إبراهيم، ومسلم عن محمد بن مرزوق، وأبو داود عن يحيى بن عربي، ثلاثتهم عن روح.

وأخرجه أحمد أيضا عن عبد الله بن الحارث، والبخاري أيضا من رواية مخلد بن يزيد، ومسلم أيضا من رواية أبي عاصم، كلهم عن ابن جريج.

وأخرجه الترمذي من رواية الحسن البصري عن أبي هريرة بلفظه وأشار إلى انقطاعه وأن الحسن لم يسمع من أبي هريرة على الصحيح .

وفي رواية للبخاري: "يسلم الصغير على الكبير" وقد ترجم له في كتاب الاستئذان باب: تسليم الصغير على الكبير، وقال إبراهيم يعني ابن طهمان عن موسى بن عقبة عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار قال: "يسلم الصغير على الكبير والمار على القاعد والقليل على الكثير" وقد وصل البيهقي في الشعب من طريق أحمد بن حفص بن عبد الله السلمي، قال: حدثنا أبي حدثنا إبراهيم بن طهمان عن موسى بن عقبة عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره، وكذلك أخرجه البخاري موصولا في كتاب الأدب المفرد [ ص: 279 ] عن أحمد بن أبي عمرو وهو أحمد بن حفص المذكور وأخرجه أيضا في الصحيح موصولا من وجه آخر وكذلك الترمذي كل منهما من طريق ابن المبارك عن معمر عن همام بن منبه أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يسلم الصغير على الكبير" فذكر مثله أخرجه الطبراني عن إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق.

وأخرجه أحمد عن عبد الرزاق وأخرجه أبو داود عن أحمد، وفي الباب عن عبد الرحمن بن شبل وفضالة بن عبيد وجابر بن عبد الله، والثلاثة أنصاريون، فلفظ حديث عبد الرحمن بن شبل "يسلم الراكب على الراجل ويسلم الراجل على الجالس، والأقل على الأكثر؛ فمن أجاب السلام كان له ومن لم يجب فلا شيء له" أخرجه أحمد والطبراني، ولفظ حديث فضالة بن عبيد "يسلم الراكب على الماشي والقائم على القاعد والقليل على الكثير" أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وفي رواية له بلفظ: "الماشي على القائم"، وفي لفظ آخر له بلفظ: "الفارس على الماشي والماشي على القاعد" وأخرجه الترمذي والنسائي، ولفظ حديث جابر "يسلم الراكب على الماشي والماشي على القاعد والماشيان أيهما بدأ بالسلام فهو أفضل" أخرجه أبو عوانة وابن حبان في صحيحيهما والبزار في مسنده .

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: لا تشبهوا باليهود و) لا (النصارى فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع وتسليم النصارى الإشارة بالكف، قال: أبو عيسى) يعني به صاحب السنن محمد بن عيسى بن سورة الترمذي -رحمه الله تعالى- (إسناده ضعيف) .

قال العراقي: رواه الترمذي من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وقال: إسناده ضعيف. اهـ .

قلت: أفهم سياقه أن سبب ضعفه روايته عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وليس كذلك، وإنما هو لأجل روايته من طريق ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب؛ لأنه يقال: إن ابن لهيعة لم يسمعه من عمرو، وابن لهيعة حاله مشهور، وقد روي من غير طريق ابن لهيعة.

قال الطبري: حدثنا محمد بن أبان حدثنا أحمد بن علي بن شوذب حدثنا أبو المسيب سلامة بن مسلم حدثنا الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه قال: "ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود والنصارى؛ فإن تسليم اليهود بالأصابع وتسليم النصارى بالأكف" وفي هذا السند من لا يعرف حاله .

وأخرجه البيهقي في الشعب من حديث جابر نحو هذا بسند واه، ولفظه: "فإن تسليم اليهود والنصارى بالكفوف والحواجب". ورواه النسائي نحوه في عمل اليوم والليلة، وهو عند أبي يعلى من حديثه بلفظ: "تسليم الرجل بأصبع واحدة" يشير بها إلى فعل اليهود .

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: إذا انتهى أحدكم إلى مجلس فليسلم فإن بدا له أن يجلس فليجلس ثم إذا قام فليسلم فليست الأولى بأحق من الآخرة) وفي نسخة: "من الأخيرة"، وفي أخرى "من الأخرى" قال العراقي: رواه أبو داود والترمذي وحسنه من حديث أبي هريرة. اهـ .

قلت: أخبرنا به عمر بن أحمد بن عقيل، قال: أخبرنا أحمد بن محمد النخلي أخبرتنا زين الشرف ابنة عبد القادر بن محمد بن مكرم الطبري قالت: أخبرني أبي عن جده قال: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الحافظ قال: قرأت على محمد بن محمد الوزان بالصالحية قال: قرئ على زينب ابنة أحمد بن عبد الرحيم ونحن نسمع عن محمد بن عبد الهادي، أخبرنا أبو طاهر السلفي الحافظ، أخبرنا محمد بن الحسن بن أحمد، أخبرنا عبد الملك بن محمد، أخبرنا عبد الله بن محمد بن إسحاق، أخبرنا أبو يحيى المكي قال: حدثنا هشام بن سليمان عن ابن جريج قال: أخبرني محمد بن عجلان أن سعيد بن أبي سعيد أخبره عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم ثم إن بدا له أن يجلس فليجلس، فإذا قام فليسلم فليست الأولى بأحق من الأخيرة" هذا حديث حسن أخرجه النسائي عن أحمد بن بكار عن مخلد بن يزيد عن ابن جريج فوقع لنا بدلا عاليا .

وأخرجه أيضا والترمذي جميعا عن قتيبة عن الليث وأخرجه أبو داود عن بشر بن المفضل.

وأخرجه البخاري في الأدب المفرد عن خالد بن مخلد عن سليمان بن بلال، كلهم عن محمد بن عجلان.

وأخرجه البخاري من وجه آخر عن أبي عاصم الضحاك بن مخلد عن محمد بن عجلان بلفظ: "إذا أتى أحدكم المجلس فليسلم، فإن قام والقوم جلوس فليسلم" والباقي مثله .

وأخرجه أحمد عن بشر بن المفضل ويحيى القطان وقران بن تمام ثلاثتهم عن ابن عجلان قال الترمذي: حديث حسن [ ص: 280 ] وقد روى هذا الحديث عن ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة وهذه هي التي أخرجها البخاري من طريق صفوان بن عيسى والنسائي من طريق الوليد بن مسلم كلاهما عن ابن عجلان، قال الدارقطني في العلل: رواه ابن جريج وعد من ذكرنا إلا سليمان وقران ويحيى، وزاد المفضل بن فضالة وروح بن القاسم وجرير بن عبد الحميد فصاروا عشرة كلهم عن محمد بن عجلان كما قال ابن جريج، والله أعلم .




الخدمات العلمية